من النادر أن تشهد الصالات اللبنانية حدثاً مثل فيلم One Direction، لا من حيث تقنياته العادية جداً، ولا من حيث قصته التي يحفظها عن ظهر قلب معظم مَن قرروا مشاهدة الشريط. الحدث يتمثّل في تحوّل الصالة الى حفلة حية يحييها المراهقون، ويشاركون في جولات فرقتهم المفضلة رقصاً وغناء. هذا العمل الذي لا يتخطى معدل أعمار المشاهدين فيه عتبة المراهقة شكّل تحدياً لمروّجيه. ويبدو أنّ العمل يحقّق هدفه الذي صُنع من أجله، أي الترويج للفرقة الظاهرة التي نشأت مصادفة وشكّل نجاحها المدوي مصادفة أكبر.
منذ زمن «باك ستريت بويز»، لم تشهد فرقة معظم أفرادها من المراهقين النجاح الذي عرفته one direction. هي نشأت عندما اقترح سايمن كويل أحد المشرفين على برنامج «أكس فاكتور» بنسخته البريطانية على خمسة مشتركين مبعدين من التصفيات أن يشكّلوا فرقة غنائية معاً ليبقوا في البرنامج. ورغم أنّ الفرقة سرعان ما سقطت في التصفيات، إلا أنّ الزخم الجماهيري توّجها الفرقة الأشهر في البلاد ومن ثم في أوروبا والعالم أجمع.
الشريط الذي أخرجه مورغان سبرلوك كان يُفترض أن يكون وثائقياً، يلاحق الفرقة بأعضائها الخمسة نيال هوران، ليام باين، زين مالك، هاري ستايلز ولويس توملنسن ذوي الهوية الإيرلندية، في جولاتهم العالمية التي شملت أكثر من مئة دولة في قارات العالم الخمس، مؤرخاً لمشوار النجاح الذي صنع في أقل من عامين، مظهراً الجانب الخفي من حياة أعضاء الفرقة ويوميّاتهم والصعوبات التي واجهتهم وتتعلق بشكل أساس بصغر سنهم وانسلاخهم عن محيطهم وعن حياتهم العادية. ولا تفوته أيضاً الإضاءة على العلاقة مع عائلاتهم التي تحوّلت الى طلاق قسري في أداء ترويجي لا يخلو من تلميع الصورة بدلاً من أن يكون موضوعياً، مما يجعل تقديمه كفيلم وثائقي مبالغة غير مهنية. الفيلم ليس صادقاً أبداً ولا يظهر سوى الجانب الملآن من الكأس التي تحمل مرارات كثيرة. لا يضيء العمل على أي خلافات محتملة بين أعضاء الفرقة ولا على الغيرة بين المراهقين التي كتب فيها الكثير، ولا على العلاقة مع كويل نفسه الذي تبنى الفرقة وأدار أعمالها. لكنه في المقابل أظهر الأمل الكبير والحياة الوردية للمراهقين الذين يمكنهم صنع المعجزات متى تحلّوا بالإرادة الصادقة.
الشريط الثلاثي الأبعاد أُنجز بكلفة متدنية جداً لم تتخط 10 ملايين دولار، لا سيما أنّ معظم مقاطعه صوِّرت أثناء الجولة نفسها، فلا يحمل تمثيلاً ولا خيارات إخراجية فنية فوق العادة، حتى أنّ أجمل اللقطات هي التي أخذت من الحفلات الحقيقية مع بعض الإسقاطات الغرافيكية على المشاهد. لكن في المقابل، دخلت الكاميرا إلى الكواليس ونقلت التوتر الذي يرافق الحفلات الضخمة التي أحيتها الفرقة في معظم العواصم الأوروبية فضلاً عن طوكيو والولايات المتحدة. طُعِّم الفيلم بشهادات لنجوم كبار إزاء الفرقة أمثال مارتن سكورسيزي، والممثل الكوميدي كريس روك ونجم كرة القدم كريستيانو رونالدو، علماً أن الشهادات جاءت أثناء زيارة هؤلاء النجوم حفلاتهم أو في نشاطات ثانوية كحالة رونالدو لإضفاء بعض المصداقية إليها.
لكن هل تستحق هذه الفرقة شريطاً مماثلاً؟ إذا نظرنا الى ما حققته منذ انطلاقتها عام 2010، نجد أنّها صنعت ما لم تصنعه أي فرقة منافسة لها. حقّقت نجاحاً موسيقياً عالمياً بعد حصولها على المركز الثالث في النسخة السابعة من برنامج «إكس فاكتور»، وحازت أغنيتاها What Makes You Beautiful وOne Thing المرتبة الأولى في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودخل البومها الأول Up All Night سباق ترتيب الأغاني البريطاني، محرزاً المركز الأول ليصبح أول ألبوم يحقق هذه المرتبة في أول دخول له. كما دعمت هذه المجموعة في جمعيات خيرية ومؤسسات مختلفة، لا سيما بعد إسهاماتها الإنسانية مع الأطفال الفقراء في غانا. واعتبرت الفرقة من رواد تغيير النظرة إلى الأغاني البريطانية حول العالم وتحديداً في الولايات المتحدة، فوصف أعضاؤها بأنهم يشكلون جزءاً من «الغزو البريطاني الموسيقي» الحديث بسبب نجاح الفرقة في الوقت عينه مع المغنية الشهيرة أديل. حصلت فرقة «وان دايركشن» على 3 جوائز من «إم. تي. في» الموسيقية لسنة 2012. لذا، فإنّ إنجازاتها هي التي تروّج للفيلم نفسه، وبالتالي فإن تحقيقه نحو 20 مليون دولار في شباك التذاكر البريطانية (30 مليوناً في الولايات المتحدة)، يعد منطقياً لفرقة مماثلة.
ليس «وان دايركشن» فيلماً مفضلاً لروّاد السينما التقليديين، بل يبدو عملاً يليق بالشاشة الصغيرة أكثر. رغم ذلك، فهو يشكل ظاهرة حقيقية. لتتأكّدوا من ذلك، سلوا المراهقين، فهم أفضل مَن سيخبركم عنه.



One Direction: «غراند سينما ABC» (01/209109)، «أمبير» (1269)