يبقى الحديث عن ماضٍ للعمارة في بيروت أفضل من الحديث عن مستقبلها في مدينة استشرست فيها آلة الهدم اللئيمة فلم توفّر شيئاً من إرثها المعماري، خصوصاً الفترة التي جعلت العاصمة مختبراً للتجارب العمرانية العالمية. هذا «الإرث»، لا يمكننا اختزاله بالقرميد والقناطر، بل هناك أيضاً العمارات الحديثة التي رافقت العصر الذهبي للمدينة.
«التصميم الحديث والعمارة في العالم العربي ــ بدايات مشروع» يكرّس مساحته للإضاءة على تلك الأبنية منذ الثلاثينيات حتى أواخر الستينيات. المعرض المقام في «فيلا سالم» من تنظيم «المركز العربي للعمارة» والمهندس المعماري مازن حيدر، يشكّل تأريخاً وتوثيقاً علمياً لتلك الأبنية. «نحن في بلد لم يؤرّخ فيه للعمارة» يقول رئيس المركز الأكاديمي جورج عربيد. يندرج المعرض ضمن همّ المركز وعمله المستمرّ منذ تأسيسه عام 2008 على أرشفة الرسوم والوثائق العمرانية التي من شأنها مواجهة الهدم بشكل علمي بعيداً عن النوستالجيا التي غالباً ما ترافق الحديث عن عمارات بيروت. بعض الأبنية في المعرض شوِّهت، فيما هُدِّم بعضها الآخر، وتنتظر أخرى مصيرها. نرى مجموعة من الدراسات والرسوم والوثائق ومجسّمات لأبنية تشكّل معلماً معمارياً مهماً في ذاكرة المدينة، إضافة إلى تسليط الضوء على بعض المعماريين من أصحاب التجارب الجديدة والروّاد الذين رافقوا المختبر البيروتي أمثال خليل خوري، وتيو كنعان، وعاصم سلام، وجورج ريّس، وغريغوار سيروف... في تعليقه على أبنية اليوم، يقول عربيد إنّ «التراث هو تراكم حداثات»، مشيراً إلى أن الحرب ومرحلة «إعادة الإعمار» ولّدا القطيعة مع عمارة الماضي. ورغم أنّ المعرض يركّز على النواحي الهندسية التخصصية، إلا أنّه بمثابة نداء توعية للناس وللهيئات الرسمية «للانتباه إلى هذا الإرث المهم»، كما يشدّد مازن حيدر. هل يمكننا استعادة تلك الفترة من دون ذكر مبنى «فندق الكارلتون» الذي هدم عام 2008 مثلاً؟ في المعرض، نرى دراسات هندسية أوّلية لواجهة «قصر الأونيسكو» الشمالية أنجزها المعماري فريد طراد، إضافة إلى صورة لـ«مبنى الياس المر»، أي مبنى «الهورس شو» الذي كان يحمل أول واجهة زجاجية (curtain wall) في لبنان. إلى جانب أهميته المعمارية، يحمل المبنى بعداً آخر ألا وهو ارتباطه بمرحلة الستينيات الذهبية التي شكّل شارع الحمرا شريانها الأساسي. تلك الفترة احتضن فيها الـ«هورس شو» أهم روّاد الحداثة. ويمكننا رؤية المنظور المعماري لـ«جامع الخاشقجي» لعاصم سلام الذي يعود إلى منتصف الستينيات. لا يشتمل المعرض على المباني فحسب، بل على المفروشات أيضاً: هنا تصميم لكرسي كولون للمهندس خليل خوري يعود إلى السبعينيات، ودراسة هندسية لمدفأة الرئيس سركيس من منظور معماري أنجزه جورج ريّس. أما الوثائق فتتضمّن مثلاً كتيّباً ترويجياً لـ«سيتي سنتر» الذي هدم جزئياً. المعرض التوثيقي يظهر ما طمسته عاصفة الاستثمارات الهوجاء، ويجعلنا ندرك قيمة ما فقد، وما هو مهدّد بالفقدان، على أمل أن تتحوّل هذه المسألة إلى قضيّة رأي عام.



«التصميم والعمارة الحديثة في العالم العربي»: حتى الأول من حزيران (يونيو) ــ «فيلا سالم» (كليمنصو ــ بيروت)