في معرضهما المشترك الذي يُختت اليوم في غاليري Art on 56th في الجميزة في بيروت، لا يستطيع نوار حيدر (1979) ويامن حسن (1982) أن يتجنّبا فكرة أنهما يعرضان جانباً مما هو رائج اليوم في المحترف السوري المعاصر، ويقدمان – في الوقت نفسه – ترجمةً لطموحاتهما الذاتية أيضاً، وهي طموحات تبدو متباعدة إلى حد ما، خصوصاً أن الأول رسام والثاني يعرض منحوتات إلى جانب لوحاته.
ما هو رائج موجود بجرعات أكبر في شغل حيدر الذي تخرج سنة 2006، حيث تلتحق أعماله بتجارب عديدة راهن أصحابها على الحساسيات السائدة في الفنون المعاصرة التي تحتمل التجريب المفتوح على المؤثرات الخارجية أكثر من إصغائها إلى أسئلة الهوية وطبعاتها المحلية. ليس هدفنا أن نُسيء فهم هذا الهاجس بقدر ما نحاول أن نضعه في سياق تشكيلي، إذْ بات واضحاً سعي أغلب الأسماء الجديدة في سوريا إلى مراضاة سوق الفن، حتى لو كان ذلك على حساب الرضى الشخصي عن التجربة. إيحاءات مثل هذه تنبعث من لوحات نوار حيدر التي نجد لها قرابة فورية مع بعض الرسامين السوريين الذين سبقوه إلى امتداح البشاعة والعوالم التعبيرية الفظّة لتشخيصاتهم، أو إلى تحطيم تأليف اللوحة وإعادة الاعتبار إلى جزئياتها وعناصرها الخام. لا مشكلة طبعاً في نمو تجربة مستجدة في الجوار التجريبي الذي لا يزال حاراً ومغوياً في التشكيل السوري، ولكن الخشية تكمن في الاستيلاء على هذا المنجز أو تقليده أو استثماره، من دون معمودية حقيقية.
على أي حال، هناك قوة تعبيرية مقنعة في لوحات حيدر الذي يستكشف مشهديات واقعية وطفولية، وينقلها كما هي تقريباً إلى فضاء لوحاته المسكونة بمناخ واحد. في المقابل، يعرض يامن حسن المتخرج سنة2005 منحوتات صغيرة الحجم، إلى جانب لوحات صغيرة بالأبيض والأسود، بينما يشترك النحت مع الرسم في تأويل الأشكال النهائية المتمثلة في لفافات صلصالية تشبه الشرانق التي تصنعها اليرقات في رحلة تحولها إلى فراشات. الفارق أننا نرى أجساداً بشرية مدفونة في هذا الشرانق التي تشبه الأكفان أيضاً، وتطلّ أطراف منها خارج الكتلة الطينية، بينما تكتسي الأذرع ببعض الريش فعلاً. كأن رغبة في الانعتاق والطيران تدفع تلك الأجساد إلى الخروج. الشرانق متجاورة مع مجسمات نحتية بقياسات أكبر، وتكثر فيها الرؤوس ذات الملامح المعنَّفة والمعذَّبة. بطريقة ما، تبثّ منحوتات حسن انطباعات كثيفة عن الأوضاع المتفجرة في سوريا، وهو ما تفعله لوحات حيدر في منطقها المتشظّي، وأجزائها المبعثرة.
* حتى 11 أيار (مايو) الحالي ــ «غاليري Art On 56 th» (الجميزة) ــ للاستعلام: 01/570331