قلّما تجد كتاباً شاملاً يحكي قصة قرية، من ألفها إلى يائها، من تاريخها وتراثها إلى حاضرها ومعالمها وتجارتها وعاداتها ونضالها مثلما يفعل «ميس الجبل ــ من القهر إلى الفخر» («مركز الهادي الثقافي» و«جمعية إنماء ميس الجبل). الكتاب الذي أعدّه الباحث فوزي حمدان، بمشاركة باحثين وأدباء في البلدة اللبنانية يقدّم صورة شاملة وموثّقة لنمط عيش قرية جنوبية عبر التاريخ، مروراً بالعادات والتقاليد والأعراف والآثار والأدباء والعلماء والاحتلال والمقاومة. إنّه بحسب مقدّمه نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، «سرد لتاريخ بلدة كحبّة لؤلؤ في عقد المنطقة وشؤونها وشجونها، في إطار تحليل الأحداث التي جرت في لبنان ومحيطه». وبذلك، يشكّل العمل «موسوعة تزوّد ابن البلدة أو الباحث، بمعلومات متنوعة عن الجغرافيا والتاريخ والحركة العلمية والدينية والأدبية، ومسيرة الجهاد في مواجهة الأعداء بمشاربهم المختلفة».
في هذا الكتاب عودة إلى عشرات السنين، حيث النمط العمراني القديم، وطريقة البناء، والسكن، والزراعة والتجارة والمهن المندثرة، إلى «المسحّراتي» و«السكافي» و«القصّاب»، مقرونة بقصص ومقابلات وصور. يرصد الكتاب تواريخ التحوّل والتجدّد والتوسّع العمراني، وطرق التعليم، وروّاده. ويحكي قصّة منطقة بأكملها، تشمل الاستعمار والاعتداءات الإسرائيلية، ومحطّات المقاومة، بدءاً بمؤسّس «الحوزة الميسية» الشيخ علي بن عبد العالي الميسي، ومؤتمر «وادي الحجير»، واحتلال فلسطين، وانتفاضة ميس الجبل عام 1983، وصولاً إلى التحرير عام 2000 وتغيّر معالم البلدة وتطورها، ودور أبنائها على جميع المستويات. وفي الكتاب أيضاً إضاءة نادرة على جبل عامل من زوايا مختلفة، بحدوده وأراضيه التي اقتطعت منه وألحقت بفلسطين، وشهادات ضبّاط فرنسيين ولبنانيين بين 1914 و1926 تظهر كيف«تنازلت فرنسا المنتدبة عام 1923 بموجب اتفاق حزيران عن كامل المنطقة اللبنانية في «الحولة» لصالح الانتداب البريطاني في فلسطين، مقابل منح شركة فرنسية امتياز التجفيف لمناطق المستنقعات» وكيف تقلّصت مساحة جبل عامل أكثر من 1000 كلم مربع. وأخيراً، نقرأ الأمثال والحكم القديمة، إضافة الى صور كثيرة تؤرشف محطات البلدة التاريخية ورجالاتها وشهدائها. مع ذلك، يؤخذ على معدّي الكتاب إهمالهم الشقّ البصري والفني؛ إذ اكتفوا بجمع الصور القديمة، وأهملوا كذلك واقع التجارة الحديثة التي تتميّز بها ميس الجبل بنحو لافت ومختلف عن باقي القرى.