الرباط | عشاق السينما اللبنانيون على موعد مع ثلاثة من أبرز الأفلام الروائية الطويلة التي أنتجت في السنتين الأخيرتين في المغرب: «موت للبيع» لفوزي بنسعيدي (20/3 ــ س:7:30)، و«يا خيل الله» لنبيل عيوش (21/3 ــ س:10:00)، إلى جانب «على الحافة» لليلى الكيلاني (19/3 ــ س:10:00).
وإذا اختلفت توجهات المخرجين السينمائية، والتقنيات التي عملوا عليها، إلا أنّ هذه الأعمال تجتمع على ثيمة واحدة: بؤس أبطالها المنضوين تحت راية الفقر والتهميش في المملكة.
آنسات ليلى الكيلاني يعملن في مصانع تصبير السمك في مدينة طنجة. يرغبن في إزالة الرائحة المقرفة التي التصقت بثيابهن وجلدهن. لكن الطريق إلى «عطور» الحياة، يعبر عبر الجريمة. رأى العديد من النقاد المغاربة أنّ «على الحافة» (2011) يعدّ من أبرز الأعمال التي أنتجت في السنوات الأخيرة، وجعل ليلى الكيلاني (1970) أحد أهم الأصوات السينمائية المغربية. يقدّم «على الحافة» مقاربة لحياة البنات اللواتي يثرن على أوضاعهن في المدينة الصناعية الجديدة التي تحمل وجهين: طنجة الأدب والثقافة الوديعة والكوسموبوليتية من جهة، والمدينة العمّالية التي تمتلئ أحياؤها بالهامشية والبؤس والعنف والجريمة.
الجريمة تقفز برشاقة من «على حافة» كي تمارس هوايتها المفضلة أي... «موت للبيع» (2011) في فيلم فوزي بنسعيدي (1967). أبطال سينما بنسعيدي ليسوا سوى شباب منحرفين. براعة المخرج، وعينه التي لا تخطئ الجمال، جعلتا كادر العديد من اللقطات لوحات بليغة تعكس الجمال والقبح في الآن ذاته. يترصّد «موت للبيع» مصائر ثلاثة أصدقاء، همهم الإثراء السريع، ولو مرّ عبر الجريمة. لكن القدر ـــ كما يحدث في كل القصص ــ يفرق بين الأصدقاء. واحد منهم سيتحول إلى عاشق للكراهية، ينضوي تحت لواء جماعة تكفيرية، والثاني يحلم بجمع الثروة عبر ترويج المخدرات، بينما البطل (فهد بنشمسي) يعشق بائعة الهوى دنيا، ويخضع لضغوط محقق الشرطة الذي يؤدي دوره فوزي بنسعيدي. برهن المخرج عن قدرة مميزة في الوقوف أمام الكاميرا كما وراءها. وهذا ليس بغريب عنه، فهو ممثل سبق أن أدى أدواراً في أفلام عدة، آخرها شريط فرنسي نزل إلى الصالات في بداية هذه السنة بعنوان «وداعاً المغرب» الذي يؤدي أحد أدواره الرئيسية. يشتغل فوزي بنسعيدي أيضاً على سيناريو فيلم يسميه «الحائط» كعنوان مبدئي. ويبدو أنه شريط سيكون وفياً لفيلميه الأولين «ألف شهر» و«يا له من عالم رائع».
الشباب المدمن والفقير، والمقبل على الجريمة والجهادية يحضر أيضاً في فيلم «يا خيل الله» (2012) لنبيل عيوش (1969). هنا ننتقل من التخييل إلى الواقع. يريد الفيلم أن يعكس قصص الشباب الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم في المغرب عام 2003. عشر سنوات بعد هذا الحادث، يعيد نبيل عيوش سرد قصص أطفال سيصيرون شباباً، همهم الوحيد هو الانتقال إلى الضفة الأخرى بتفجير أجسادهم. يرصد الفيلم أصدقاءً من حي سيدي مومن الفقير، ومسارهم الاجتماعي الذي دفعهم إلى أتون الجماعات التكفيرية. ولو أننا منذ البداية نتوقع كيف ينتهي الفيلم، إلا أنّ نبيل عيوش استطاع الخروج من الوثائقي، وإدهاشنا من خلال تقنيات التصوير المميزة. عمد عيوش إلى ديكور حقيقي بالانتقال إلى الحي، وإلى ممثلين هواة من سكانه. كان أداء الممثلين الشباب مميزاً، واستطاعوا إتقان أدوارهم وتقمّصها. أعاد «يا خيل الله» عيوش إلى ألق البدايات حين قدّم شريطه المرجعي «علي زاوا» (2000) بعد شريطه السياحي «لولا». لقد ألقى «يا خيل الله» نظرة حقيقية ومختلفة عن الأفلام التي غرقت في الكليشيهات حول الفكر الجهادي. ومن المغرب إلى الجزائر، تبقى ثيمة الإرهاب واحدة. يأتي المخرج المخضرم مرزاق علواش (1944) ليقدّم «التائب» (20/3 ــ س:10:00). السينمائي المشاكس استوحى قصته ــ على غرار جميع أفلامه ــ من حادثة واقعية قرأها في الصحف الجزائرية عن «إرهابي تائب» (تسمية تطلق في الجزائر على الإسلاميين المسلحين الذين استفادوا من العفو بموجب «قانون الوئام») تواطأ مع شبكة إجرامية لابتزاز عائلات الضحايا المفقودين في سنوات الإرهاب، من خلال إيهامهم بأنه يعرف قبور ذويهم المفقودين، ويمكن أن يدلهم عليها مقابل فدية. يضيء «التائب» (2012) على الصلات المشبوهة بين أجهزة الاستخبارات والإرهابيين التائبين، ما أثار الجدل حوله في بلد المليون شهيد.