في رواية «ليمبو بيروت» (منشورات «التنوير» بمنحة من «آفاق») للكاتب هلال شومان ما يحيل إلى عقدة خارج السرد العام في كل فصل، بمعنى تلك القدرة على تظهير مآزق الشخوص المختلفة التي تحتلّ هذا العمل بهذا الأسلوب السلس، وربطها بمدينة مرهقة وتائهة كبيروت التي تتناسل في جوفها القصص نفسها عن الأرق والحرب والحبّ والعلاقات الاجتماعية.
ما يميّز العمل هو قدرته على التشويش وإلزام القارئ بالوقوف مطوّلاً أمام التعريفات السائدة لأغلب الاشياء والأحداث، والانسياق خلف السرد في إعادة قولبتها وتعريفها. ربما في ظلّ غياب الحبكة، تصبح هذه الميزة متعةً بحدّ ذاتها في هذا النمط من الكتابة، فضلاً عن متعة الرسوم الكثيرة نسبياً التي تتخلل الرواية وتعكس في الغالب حالات ووجوهاً وأجساداً وملامح المدينة المأزومة. في «الليمبو» موطن يحرم الأرواح دخولَ الجنة لذنب لم تقترفه... ذنوب مضاعفة ومآزق تتحمّلها الشخصيات بلا طائل وبلا جدوى. الأثمان مدفوعة مسبقاً والنفَس هو دائماً نفَس المدينة التي لا تعي في الغالب نزقها وقدرتها على طحن المشاعر كلّها، وطحن أبنائها داخل متاهتها العبثية. عمليّاً، لا إجابات في هذه المدينة، ولا دلالات نهائية في ما تشير به على ناسها.

الآخرون من الخارج أقدر على قول الشيء المفيد... ذلك هو لسان حال «تاكارا» الفتاة اليابانية وهي تعرّف حبيبها وتنتبه إلى قدرته على تحويل الأشياء إلى مضمون روائيّ قبل أن توصلها المدينة إلى المأزق بدورها: «الأشياء بطبيعتها معقّدة، لكن تتواجد ضمن حلقات معقّدة» (ص54).
ربما هذه واحدة من تمظهرات المدينة الخفية. تتخفى بشكل ما وغير مرئي في شخوصها ليعاد تعريفهم على نسق مختلف في كل مفصل. تاكارا هنا آخَر ومفصل على سبيل المثال.
بعد «نابوليتانا» (2010)، و«ما رواه النوم» (2008)، ينمّ العمل الثالث لشومان عن تأنّ في الكتابة. يظهر ذلك جلياً من خلال المعجم المناسب الذي يستخدمه بعناية ويوظّفه في موضوع السرد بحيث لا تخرج اللغة عن صرامة اللحظات الشعورية الخاصة ولا تنحو إلى تراكيب مجانية أو اعتباطية. وإن كانت بعض الشخصيات والقصص تحتمل مزيداً من التوسّع حول المآزق الرئيسية والاشكاليات التي تمسك ببعض هذه الشخصيات، إلا أنّ خيط السرد في كل فصل على حدة يُعقد على سؤال في رأس القارئ يتعلّق بماهية المدينة. شخصيات غير منتبهة في الواقع، تغرق في أسئلة المدينة التي هي بدورها وبوجوهها المتعددة سؤال كبير معلّق لا إجابة عنه... «بيروت».