الرباط | عقود مرت منذ استقلال المغرب، ليجرؤ على الحصول على متحفه الوطني الخاص للفنون الحديثة والمعاصرة. متحف شهد بناؤه الكثير من العثرات وظل ورشة طيلة عقد قبل أن يصير «مهمة ملكية» وينطلق في مهمته الشائكة بعد افتتاحه من قبل العاهل المغربي محمد السادس.
يثير هذا المتحف (كلف حوالى 23 مليون دولار) العديد من الإشكاليات. تسميات كثيرة كان يروج بأنّها ستطلق عليه. لكن في الأشهر الأخيرة وفق مصدر واكب إنجاز المشروع، اختير له اسم «متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر». وهو ما قد يمنح المتحف الطابع الرسمي الذي لا يليق بالفنون المعاصرة والحديثة. مبنى المتحف هو الآخر، لا يعكس (أقله الواجهة) الطابع المعاصر الذي أريد منه. البناء ذو نمط موريسكي محدث يعود إلى بدايات القرن العشرين. لا يقلق جواره، بل يشبهه ويصير استمرارية لهذا الفضاء. علماً أنّه يقع في قلب الرباط، غير بعيد من مبان ترمز إلى السلطة (البرلمان، القصر الملكي..). لكن المكلفين ببنائه يدافعون عن هذا الاختيار ويقولون إنه يستعير فقط فلسفة الفضاء المحيط به، لكنه يستثمرها بطريقته الخاصة. تشييد مبنى المتحف هو الآخر يطرح الكثير من الأسئلة. إعلان تشييد المتحف انطلق خلال ولاية وزير الثقافة الاشتراكي محمد الاشعري. وكان الأخير صرّح عام 2005 أنّ المتحف سيكون جاهزاً بعد عامين أي في 2007. لكن الأشعري رحل وظل المشروع متوقفاً. وبعدما أُسند إلى مكتب المهندس المغربي رشيد الأندلسي، تم تغييره ليحال على مكتب المهندس المقرب من القصر كريم شقور.
خلال المسار الطويل والمتعثر لتشييد المتحف، تقرر إطلاق «المؤسسة الوطنية للمتاحف» من قبل عاهل البلاد عام 2011. وأسندت مهمة رئاستها إلى المهدي قطبي المعروف بقربه من دوائر السلطة في المغرب وفرنسا، وشبكة علاقاته في سوق الفن والمعارض. هكذا تغير إيقاع بناء المؤسسة، وتغير تصورها الأول. وخلال السنوات الثلاث، تغير أيضاً الكثير من العاملين فيها وفريق إدارتها. وارتكزت في فترة طويلة من الإعداد للمشروع على مجهود متدربين ومتعاقدين، لأن المناصب المالية المخصصة له، لم تكن أعلنتها وزارة المالية بعد.
أبصر المتحف النور إذاً، مع معرض يستحضر تجربة الفن الحديث والمعاصر خلال 100 عام، ويفتح أبوابه مجاناً للجمهور على مدار شهر، على أن يصير ثمن الدخول إليه لاحقاً ما يقارب دولاراً وعشرين سنتاً. مديره عبد العزيز الإدريسي أكد أن «هدف المؤسسة أن تكون فاعلة وتطبعها الدينامية وتقطع مع التصورات النمطية عن المتحف» في المغرب. هكذا سيتمكن الجمهور من اكتشاف فضاءاته المتنوعة بين صالات عرض ومكتبة وفضاءات أخرى وأعمال لفنانين من مختلف المراحل التشكيلية والبصرية في المغرب.
يملك المتحف 300 عمل، مجموعة صغيرة مقارنة بما تملكه متاحف دولية أخرى، لكن المهدي قطبي تحدث عن ضرورة إشراك رأس المال الخاص للاستثمار في قطاع المتاحف. وأورد أن مالكاً لمجموعة خاصة من أعمال بيكاسو وجورج براك تضم 200 لوحة مستعد لإعارتها للمتحف. إدارة المتحف تعول إذاً على الشراكات مع القطاع الخاص لتفادي ضعف الموارد المادية المخصصة للمتحف.
ورغم الانتقادات التي وجهت له، يظل نقطة ضوء في بلاد لا تزال مشاريعها الثقافية تتعثر طيلة عقود. الرهان الأساسي لهذه المؤسسة الآن يظل مصالحة المغاربة مع الثقافة الحديثة والمعاصرة.