طالب المخرج ابراهيم حاتمي كيا كبار المسؤولين الايرانيين باتخاذ مواقف صارمة من تصريحات مخرج قلّل من «أهمية شهداء الحرب العراقية الإيرانية» في إشارة الى تصريحات المعلّم عباس كيارستمي التي أدلى بها قبل أشهر في «جامعة سيراكيوز» في نيويورك. تصريحات حاتمي كيا الذي يعد من رموز سينما السلطة في إيران، تأتي في سياق ثقافي جديد.
بعد سنوات من حكم الأصوليين والتيار الإيراني المتشدد على الوسط الثقافي والفني، تنفس تيار السينما المستقلة الصعداء مع فوز الاصلاحيين.
طالب المخرج ابراهيم حاتمي باتخاذ مواقف صارمة من صاحب «طعم الكرز»
ارتياح لا يعني كسب المعركة أو الانخراط في البرنامج الثقافي للحكومة الجديدة ذات الطابع الاصلاحي، فالتيار الأصولي قادر على دعم السينما السلطوية من داخل مؤسسات الدولة وخارجها، الا أن هامش الحرية للتيار المستقل قد اتسع منذ وصول حسن روحاني الى الحكم. لا شك في أنّ ابراهيم حاتمي كيا مخرج كبير أنجز أفلاماً لا يمكن محوها من ذاكرة الفرد الايراني. كما أن تطابق أفكاره مع الأصوليين قد يكون بحكم قناعة فكرية مبدئية، لكن تصريحاته الأخيرة ضد كيارستمي وقبله ضد المخرجة الكبيرة رخشان بني اعتماد، وسينمائيين آخرين حققوا لسينما بلاده شهرة عالمية واسعة تشير إلى شطر مهم في مشكلة السينما الايرانية: هوية المخاطب. حاتمي كيا وآخرون من المقربين لتيار السلطة يركزون على المخاطب الايراني، ويعتبرون قيم الحرب أو ما يسمى بقيم «الدفاع المقدس» (الحرب العراقية الايرانية من 1980 الى 1988) هي المرجعية القيمية والاطار الفكري والاخلاقي لأفلامهم. من جهته، يعتمد التيار المستقل في السينما الايرانية على القيم الانسانية المشتركة في مخاطبة مشاهد لا يشترط أن يكون إيرانياً. يركز التيار الأول إلى القيم المعنوية للدفاع عن البلاد، وينظر التيار الثاني الى الحرب باعتبارها نقطة سوداء في تاريخ الانسانية. الجدل الدائر بين كيا وكيارستمي ليس جديداً. إنّه فصل جديد في معركة تدور بين تيارين يرفضان أي تسوية، فالسينما الحكومية أخفقت في تجديد مضامينها وفتح أفق انساني أوسع لقضاياها، والسينما المستقلة ما زالت تترفع على القضايا المجتمعية، وتنظر إلى القضايا الكبرى من منظور عدمي يتعارض مع المنظور القيمي لشرائح واسعة من المجتمع الإيراني.
في تصريحاته في «جامعة سيراكيوز»، أكّد كيارستمي أن الفرد الايراني ملّ أفلام الحرب وفيلمه «أين بيت الصديق» (1987) هو الذي بقي خالداً لأنه تناول قيماً انسانية مشتركة خلافاً لافلام حربية كان غرضها بث الحماس لدفع الشباب الى جبهات القتال في حرب لم يكن لها أي معنى.