كانوا ثلاثة. ثلاثة شعراء حملوا صوت فلسطين عالياً، في سنوات البطولة. واكتشفهم العالم العربي على نطاق واسع في الستينيات مع انطلاق الكفاح المسلّح. ثلاثة فرّقتهم دروب الحياة والشعر والسياسة ومنافي الداخل والخارج، بعدما جمعهم الحزب الشيوعي «الاسرائيلي» في لحظة ما، وتسمية مشتركة: «شعراء المقاومة الفلسطينيّة» التي عاد فأفلت منها بمهارة أكثرهم نجوميّة، أي محمود درويش.
ثلاثة، قصائدهم صارت أغنيات على كل لسان، مع عابد عازرية وغازي مكداشي وأحمد قعبور وسميح شقير و… مرسيل خليفة. كانوا ثلاثة: توفيق زيّاد بقي في فلسطين التاريخيّة، وخاض مجال السياسة مع الحزب الشيوعي، وكتب لـ «العذراء ذات الأوفرهول الأزرق»، وصرخ «فلتسمع كل الدنيا فلتسمع». ومات في ١٩٩٤ في حادث سير على طريق القدس. محمود درويش صاحب «سرحان يشرب القهوة في الكافيتيريا» و«أحمد الزعتر»، خرج من فلسطين وصار شاعر القضيّة ونجمها، ولم يعد إلا في تابوت عام ٢٠٠٨، بعدما خانه القلب. في الحقيقة لم يجد طريقه إلى قريته البروة، بل بقي نعشه عالقاً في رام الله بتواطؤ بين أبو مازن والاحتلال. والآن ينطفئ في مستشفى صفد الأقنوم الثالث، سميح القاسم (١٩٣٩ ــــ ٢٠١٤) صاحب «نشيد الحجر» و«يكون أن يأتي طائر الرعد». قبل أيام قليلة كان مارسيل خليفة يستعيد في «بيبلوس» قصيدته الشهيرة «منتصب القامة أمشي (…) وعلى كتفي نعشي». كافح القاسم ضدّ المرض العضال سنوات، كما ناضل في الماضي ضدّ الاحتلال. أعماله الشعرية مطبوعة في أكثر من مدينة عربية من حيفا إلى الرباط، مروراً ببيروت ودمشق وعمّان، وقد نشر سيرته بأسلوب ساخر تحت عنوان «إنّها مجرّد منفضة» («دار راية»، حيفا، 2012). «الأخ اللدود» لدرويش، إذ تخاصما وتراسلا وتصالحا كثيراً، يبقى، رغم بعض المواقف الاشكاليّة التي فرضها وضعه تحت الاحتلال، صوتاً أدبياً فريداً، سيعيش في وجدان الشعب الفلسطيني، وستستعيده الأجيال العربيّة لسنوات طويلة مقبلة. يشيّع جثمانه إلى مثواه الأخير في قريته الرامة غداً الخميس.