وُلد الكاتب الذي ترعرع مع ملعقة ذهبية صغيرة (أو بالأحرى قلم) في فمه في سوانزي في جنوب ويلز، في 25 آب (أغسطس) 1949: هو ابن السير كينغسلي أميس (1922-1995) الذي كان عضواً في «الحركة الأدبية للشباب الغاضبين» (Angry Young Men) في الستينيات، ومؤلفاً للعديد من الكتب بما في ذلك الكتاب الأكثر مبيعاً «لوكي جيم» (1954)، ومغامرة لجيمس بوند كتبها تحت اسم مستعار في عام 1968. عندما انفصل والد أميس عن زوجته الأولى - كان الشاب مارتن يبلغ 12 عاماً – تزوج مرّة أخرى بالكاتبة الموهوبة إليزابيث جين هوارد (1923-2014) التي كانت نشطة في حلقة أدبية تتردّد إليها أبرز الوجوه الأدبية في المملكة المتحدة، ومنهم الشاعر فيليب لاركين، وهو صديق مقرّب لوالده. سيدين المراهق لزوجة أبيه بتعريفه بعيون الأعمال الأدبية المكتوبة بالإنكليزية، كما أنّ نقل إليزابيث جين هوارد شغفها بكتابات جين أوستن إليه جعله يخوض في تجربة الكتابة هو الآخَر.
بعد تخرّجه من أكسفورد في سن الرابعة والعشرين، نشر مارتن أميس رواياته الأولى «أوراق راشيل» (1973) التي تحوّلت إلى فيلم من إخراج داميان هاريس وبطولة دكستر فلتشر وإيون سكاي عام 1989. تبِعَ ذلك نشره 13 رواية أخرى. مقتفياً أثر أساتذته وملهميه أمثال سول بيلو، وفلاديمير نابوكوف ووالده كينغسلي، سيقشّر أميس «قشور البصلة» وهو التعبير الرمزي الذي يشير إلى دوائر الكذب والنفاق والانحطاط الاجتماعي من حوله: التدقيق في الانحراف الجنسي لمجتمع إنكليزي محافظ نفاقاً ورياءً في «الأطفال الموتى» (1975)، والاستهزاء بالمفهوم الغربي للنجاح والشهرة في «نجاح» (1978) و«فلوس فلوس» (1984)، والنقد اللاذع لتجاوزات وسائل الإعلام في «المعلومة» (1995)، ناهيك بالتشكيك في الأعراف الاجتماعية في «ليونيل أسبو» (2012)، قصة الجانح الذي ضاعف إقامته في السجن حتى اليوم الذي أصبح فيه مليونيراً في اليانصيب وأثار الرعب بين الأغنياء، أو الخوض في سيرة محمد عطا خاطف الطائرة التي اصطدمت ببرج التجارة العالمي في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، في روايته «منزل اللقاءات» (2006) حيث شرّح أميس مفاهيم اجتماعية يمكن أن تخلق دوائر التقاء وتفاعل على شكل هزّات ارتدادية في ما بينها مثل الذكورية والإرهاب والعنف.
ثيماته المفضّلة هي الزمن والسياسة والتاريخ
ثيمات أميس المفضّلة هي الزمن والسياسة والتاريخ، فنراه مثلاً ينظم في «لندن فيلدز» (1989) مقارنة بين جريمة قتل حتمية وعالم أصبح بمثابة آلة لتنظيم الإبادات الجماعية، كما قام ببناء روايته «سهم الزمن» (1991) على شاكلة فيلم بالفلاشباك: ينزلق في جلد الراوي الذي «يستيقظ ميتاً»، ويرجع فيه العمر تدريجاً حتى يبلغ 25 عاماً متقمّصاً دور طبيب نازي في أوشفيتز. كما يلقي الضوء في «قوبا المرعب» (2009) على التنازلات الفكرية التي أحاطت بنظام ستالين: كل هذه المواضيع الشائكة تتم معالجتها سردياً بأسلوب أميس الخاص أي بذوق التناقض والصراحة اللاذعة التي ميّزته، إلى درجة أنّ صحيفة «نيويورك تايمز» أطلقت عليه لقب «سيد المتاعب»، هو القائل في إحدى مقابلاته «من الممتع أن تصنع وحوشاً، وأن تظهرها في وضح النهار».
شغف أميس باللغة الإنكليزية ودعوة القارئ لتذوق هذا الحفر في اللغة وصيغاتها التركيبية الملوّنة أكثر ما نعثر عليه في كتابه الأخير Inside Story الذي قدّمه أميس عام 2020 بأنه ليس «أقرب إلى مجموعة من القصص القصيرة المرتبط بعضها ببعض»، أي صيغة تمتزج فيها الذكريات بالاعترافات، من دون الامتناع مطلقاً عن اللجوء إلى الخيال. في هذا الكتاب، الذي يُعد قصّة عائلية وانعكاساً للأدب، لا يتوانى أميس عن الهجوم المضاد على الصحف الإنكليزية التي ضايقته طوال حياته. يسرد مذكّراته حول استقراره في الولايات المتحدة، وزواجه الثاني بالكاتبة إيزابيل فونسيكا، وتفاصيل حياته الشخصية ومواعيده مع طبيب الأسنان، ليصل بمبضع السخرية الذاتية إلى وصف البيئة الأدبية الأنغلو أميركية من الداخل في أنانيتها وغطرستها وعدم اهتمامها ببقية العالم. لا يفوته أن يبوح في بعض مقاطع السيرة بأفكاره الانتحارية، يعترف في لحظات معينة بفقدان ثقته بنفسه ككاتب، إذ كان قد صرّح قبل سنوات عديدة: «للأسف، ما زلت كما كنت في الثامنة عشرة. لم أكتمل بعد»، ليرحل أميس عن عالمنا حاملاً قلق الإبداع الذي لا يجد سكينته إلا بالموت.