وجوه مشوّهة طغت على معرض «مجهولو الهوية» لرواد غطاس الذي اختُتم قبل أيام في «إل. تي. غاليري» في بيروت. وجوه نظر إليها الفنان من خلف الستائر السميكة لشرفات منزله، معبّراً عن واقعها وقصصها المؤلمة بأحجام وبموادّ متنوّعة، بلغ عددها 15 بورتريهاً لأشخاص ينتمون إلى بيئة شعبية (بين سن الفيل وبرج حمود والنبعة) تتحاذى فيها المساكن والأبنية وتنعدم الخصوصيّة التي تُحجب بالستائر على النوافذ فقط. لذا أبقى غطاس على تلك الستائر أمام وجوهه كي يدلّ على تلك الخصوصية المفقودة والانكشاف المعلن. اعتمد الفنان أيضاً تقنية الكولاج، آخذاً الملصقات عن الجدران ومن الأحياء الشعبية التي تسهم في محو فروق بين الثقافة النخبويّة وتلك الشعبية. هذه التقنية أتاحت له اختبار أساليب جديدة في التأثير البصريّ، فهو تشكيليّ مهتمّ بالعلاقة بين الفن والمجتمع. يرسم بالأكريليك والمواد المختلفة وجهاً (وجوهاً) فوق قطعة من الستارة المقتطعة التي يعتمدها كبديل من قماشة اللوحة التقليدية، لبناء لوحته الفريدة. حاول بهذه التقنية المبتكرة والأسلوب المختلف التقاط حالات الأشخاص النفسية، العابسة والمتجهّمة، بل المقهورة والمجروحة، وفي ذلك بُعدٌ يبلغ المعنى الوجوديّ والتشوّهات الداخلية التي تفصح عنها الوجوه المقدّمة بمنحى تجريديّ.
نحن أمام لوحات رواد غطاس بين تأنيث وتذكير، بين تصوير وتجريد. قد يكون الفنان الأذريّ نياز نجافوف أحد ملهميه. وجوه رواد المشوّهة منجزة بألوان صارخة تلائم صراخ النفس الموجوعة التي ينعكس وجعها الداخليّ على الوجه. منابع الاضطراب لا تُحصى، اجتماعية ومعيشيّة وسياسيّة و«كورونيّة» ثمّ «انفجاريّة» (نسبة إلى انفجار 4 آب)… فكيف يمكن لهذا القهر كلّه ألّا يرتسم على الوجوه؟ والوجه لدى الفنّان طوليّ، منفعل، مُعالَج بأسلوب التبقيع. رغم التشابه وتقارب الحالات، إلاّ أنّ الوجوه لا ترتبط في ما بينها بصلة مباشرة، بل يستقلّ كلّ منها في فضائه الخاص، الخاوي والضاغط. الوجوه كلّها مأزومة، يلفّها الصمت والوجوم، وبعضها غير مكتمل الملامح يطغى عليه الأحمر والبنيّ الداكنان، تعبيراً عن صدمة وانقباض بالغَيْن، وهنا تتبدّى لنا تأثّرات أخرى بوجوه بيكون وغوغان المشوّهة أو المنقبضة (ليس أدلّ على ذلك مثالاً أكثر من رسم بيكون الذاتيّ المعروف).
رصد غطاس تجهّم وجوه الناس القاطنين في المساكن الشعبيّة حيث يقطن هو أيضاً. يعرف هؤلاء عن قرب، يعيش بينهم ويرى أحوالهم بين الحياة والموت، الألم والانفعالات النفسيّة وغياب أي ملمح من ملامح الفرح أو السعادة، بيد أنّه لا يمضي إلى اكتمال الملامح جليّاً فيلجأ إلى الإيحاء والتجريد. للوهلة الأولى تبدو لوحاته معتمة وباعثة على القلق، إلاّ أنّها ملوّنة بشعور إنسانيّ متعاطف، داكن غالباً، مبتسم (من الألم ) نادراً. وفي كل الأحوال، النبرة الإنسانية حاضرة، ما يؤكد جانب الالتزام الفنّي والتعبيريّ لدى الفنان.