جمع سامي بن عامر (1954) بين التنظير والنقد والإبداع التشكيلي وشكّل كتابه «معجم مصطلحات الفنون البصرية» حدثاً عربياً. وقد سبق أن ترأس اتحاد الفنانين التشكيليين طيلة سنوات كما تولى عمادة معهد الفنون الجميلة في تونس وكلّف أيضاً بالاشراف على إطلاق متحف الفن المعاصر في تونس. في هذا الحوار يتحدّث عن ندرة الكتاب النقدي في الفن التشكيلي ومسيرته الفنية والتشكيلية.
● فزت اخيراً بـ «جائزة الشارقة الاولى للدراسات اللغوية والمعجمية»، فرع المعاجم، هل توقعت هذه الجائزة؟
ـــ لم أنجز هذا المعجم الموسوعي بهدف الحصول على جوائز. أما وقد وجد اليوم هذا الكتاب القبول الحسن من قبل اعضاء لجنة التحكيم لهذه الجائزة الهامة، فهذا يسرّني. وقد سلّمها لي صاحب السمو حاكم الشارقة يوم 18 كانون الأول (ديسمبر) 2022 الذي يصادف اليوم العالمي للغة العربية الذي اقرته منظمة اليونسكو. كما سعدت بتواجد نفس مؤلفي هذا ضمن القائمة الطويلة لجائزة «الشيخ زائد للكتاب» التي صدرت في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الاخير وهذا شرف لي ايضاً. الجوائز لها تاثير جد ايجابي على المؤلف، وهي تمكن الكتاب من مزيد الانتشار والوصول إلى القراء.

● كتابك عن المصطلح كان إضافة كبيرة للمكتبة العربية، بماذا تفسر ندرة هذه النوعية من الكتب التي تهتم بالفنون البصرية؟
ـ اهتمامي بكتابة هذا المعجم الموسوعي ناجم عن حاجتنا الماسة اليه. ويمكن القول ان المكتبة العربية تكاد تكون خالية من كتب مماثلة تشكّل ركيزة كبيرة للبحث العلمي المتخصص في المجال. وكان بالإمكان أن تتكفل بانجازه إحدى المؤسسات العربية المختصة من خلال تجنيد مجموعة من المتخصصين في قطاع الفنون البصرية لهذا المشروع. الا أنّ هذا لم يحدث. أما في ما يخصني، فقد اقتنعت بالفكرة منذ ثلاثين سنة وسعيت بطريقة متدرجة لإنجازه معتمداً على خبرتي ذات الزوايا المختلفة في الاختصاص. وسأسعى إلى تطويره كلما سنحت لي الفرصة لهذا. يمثل لي هذا الكتاب تجربة حياة.

● تجمع بين الإبداع والنقد والتنظير الأكاديمي، كيف يوزع سامي بن عامر نفسه؟
ـــ نعم صحيح. هي انشطة متنوعة لكنها تصب في الهدف نفسه. لقد اخترت أن تكون دراستي الجامعية في معهد الفنون الجميلة في تونس حيث تلقيت تكويناً في الممارسة الفنية والتنظير. وكانت سعادتي كبيرة حين حصلت على منحة من وزارة التعليم العالي لاتمام تكويني الاكاديمي في «السوربون» في مدينة باريس لإعداد رسالة الدكتوراه، في اختصاص «فنون تشكيلية ممارسة وتنظيراً». وهو ما مكّنني من مواصلة المحافظة على هذه المراوحة بين الفن والتنظير. وكل مسيرتي شاهدة على ذلك. في هذا المعجم، هناك سامي بن عامر الفنان والمنظر والناقد وكذلك الأستاذ الجامعي وحتى الناشط في الجمعيات المدنية، اذ تقلدت رئاسة اتحاد الفنانين التشكيليين لثلاث دورات دامت سبع سنوات. كما هناك ايضاً حضور لي كاداري أيضاً، فقد سبق أن كنت مديراً على رأس «المعهد العالي للفنون الجميلة»، ومستشاراً لوزير الثقافة مكلفاً بتأسيس «المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر» في تونس.
لكن كل هذه الانشطة المتنوعة التي قمتُ بها لم تأت مصادفة، بل هي نتاج عمل دؤوب وجهد كبير. فلا بناء من دون تضحيات.

● أنجزت دراستك العليا في باريس، هل ما زالت فرنسا قطب الدراسات الأكاديمية اليوم؟
ــــ يمكن القول إنّ هذه المرحلة من حياتي التي قضيتها في باريس كانت حاسمة لمسيرتي لما تعلّمته خلالها. باريس ثرية جداً بحياتها الفكرية والاكاديمية والثقافية والفنية. خلال القرن العشرين، كانت مركزاً عالمياً في كل هذه المجالات. لكن صحيح أنّ هذا التألق قد بدأ ينقص منذ أواخر القرن العشرين لهيمنة الولايات المتحدة الأميركية التي انفردت بالريادة في مجال الفنون. وهذا يعود بالطبع إلى عوامل عدة من بينها العامل الجيوسياسي الثقافي الذي افرزته موازين قوى عالمية. ويمكن فهم هذا التحول من خلال المعرض الأميركي الذي نظم في باريس وتحديداً في «مركز جورج بومبيدو» عام 1983 بعنوان «من نيويورك إلى باريس». منذ هذا التاريخ، انتقل مركز الفنون من باريس الى نيويورك وامتزج الفن بتداعيات العولمة وبسياسات لسوق فنية سيطرت عليها كلياً اروقة العاصمة الفنية الجديدة. ولقد تعرضت في معجمي لهذه القضايا بصفة مفصلة.

● كيف ترى اليوم واقع الحركة التشكيلية في تونس مقارنة بالتجارب العربية؟
الحركة التشكيلية الحديثة في تونس شقت طريقها بثبات منذ أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وكانت مستفيدة من قدوم الرسم المسندي الى تونس عبر المستعمر وايضاً من المخزون الفني التقليدي الذي عرفته بلادنا التونسية عبر قرون. وتتالت الاجيال واختلفت الرؤى وتنوعت وتراكمت إلى أن صنعت هذه الحركة لنفسها تاريخاً واصبحت تُعتَبر من أولى الحركات التشكيلية المتقدمة في العالم العربي ممارسة وتنظيراً. فمدرسة الفنون الجميلة في تونس تأسّست منذ 1923 وأسهمت في تكوين أجيال من الفنانين البارزين والنقاد ايضاً. الا أنّ هذا لا يُخفي عديد المعضلات التي ظهرت خلال العقدين الأخيرين. فالعدد الوافر لمعاهد الفنون التي فتحت خلال هذه الفترة لم تكن مؤشراً ايجابياً، ذلك أنّها كانت تفتقد إلى إطار التدريس الكفؤ، مما ترتّب عن ذلك تراجعاً في تكوين الطلبة. نقائص أخرى تتمثل في غياب تنظيم السوق الفنية والتعريف بالفنانين التونسييين داخل وخارج الوطن وفي التشجيع على البحث وفي غياب عديد التشريعات الضرورية. ووجب القول إنّه منذ 14 كانون الثاني (يناير) 2011 وهو ما سمي خطأً بانطلاقة الربيع العربي، عرف قطاع الفنون التشكيلية في تونس مثله مثل بقية القطاعات الفنية، تمزقاً كبيراً بين افراده، مما خلق فوضى وخلافات عميقة وعقيمة سعت الى تهميش القدرات الإبداعية.

● ما هو تفسيرك لضعف الحركة النقدية الفنية في العالم العربي قياساً بنسق الإبداع؟
عموماً، الحركة النقدية في العالم العربي لم تتطور كثيراً رغم تواجد عديد الفنانين والنقاد الاكفاء العرب الذين تم تهميشهم. ورغم بعض المبادرات المتعلقة بإطلاق مجلاّت مختصة في الغرض وجوائز في النقد وخصوصاً في الامارات العربية المتحدة، نلاحظ نقصاً كبيراً على هذا المستوى في بقية العالم العربي. فمجلة «فنون» مثلاً المختصة التي تأسّست في تونس منذ بداية الثمانينيات، تظهر احياناً وسرعان ما تختفي لسنوات طويلة. وكثيراً ما نقرأ نصوصاً نقدية على اعمدة الجرائد هي بعيدة كل البعد عن النقد ومتطلباته. وجب القول ان الثقافة التشكيلية منقوصة جدا في العالم العربي والاعلام يتحمل هنا مسؤولية كبرى. وهناك عديد المبادرات التي سعت إلى تجميع النقاد العرب الا انها فشلت. ظاهرة اخرى أصبحت منتشرة اليوم واثّرت على تقلص النقد في العالم عموما وفي العالم العربي بالخصوص، هو ظهور ما يسمى في المعارض المعاصرة بالكوميسار الذي اصبح يملي القيم الفنية ويعين الفنانين ولا يترك اي مجال للناقد في المساهمة في تحديد القيم الاسطيتيقية. وهذا يرتبط بمنظومة عالمية فرضت مثل هذا التمشي وتمكنت من التسرب الى العالم العربي.