في اتصالنا الأخير قبل أشهر مع منظّم «ليبان جاز» كريم غطاس، بدا الأخير متحمّساً للمشاريع التي يعدّها، وخصوصاً أن عودته العام الماضي أكّدت له أن الناس يترقّبون هذا النوع من الأمسيات. واستكمالاً للخط نفسه والمعايير التي اتّبعها في دعوته موسيقيين من الخارج، يستضيف المهرجان موسيقياً اعتبرته الصحافة المتخصّصة منذ بروزه قبل أكثر من ثلاثين عاماً من الأسماء التي ستطبع هذا النمط الموسيقي في السنوات المقبلة. كما تعرّف عنه حالياً كصانع سعادة في حفلاته الموسيقية، إضافة إلى كونه عازفاً بارعاً حاز جوائز عدة واسماً مرموقاً في نمط الجاز والـ«بي بوب» (Bebop) تحديداً: إنّه جاكي تيراسون، الذي يقيم أمسية اليوم في «ميوزكهول»، جاب العالم مرافقاً موسيقيين من طراز ديان ريفز، ودي دي بريدجووتر كما تعاون مع شارل أزنافور. ثلاثي جاكي تيراسون الذي يلتقي جمهور الـ«ميوزكهول» يضمّ إلى جانب عازف البيانو، كلاً من لوكميل بيبز على الدرامز، وسيلفان رومانو على الكونترباص. على الرغم من مرافقته فنانين مختلفين وأدائه منفرداً في عدد من المناسبات والألبومات، يعتبر تيراسون أنّه يقدّم أفضل ما لديه عندما يكون مرافقاً بعازفين على تَيْنِك الآلتين. فهذه التشكيلة، كما أعلن في مقابلات سابقة، تمنحه الفرصة لإظهار أقصى أنواع الإبداع بين التعبير الفردي والتفاعل الجماعي، وخصوصاً أنّه يعشق امتزاج أصوات الآلات والمواد المتنوعة التي تتكوّن منها والألوان الخاصة التي ينتجها التحاور في ما بينها. قبل أن ينتقل إلى عالم الجاز، كان جاكي تيراسون قد بدأ مشواره الفني في الموسيقى الكلاسيكية عندما تلقّى دروسه الأولى في البيانو في الـخامسة من العمر. لا شك في أنّ غرقه في عالم الموسيقى منذ هذا العمر الباكر، جعله بارعاً في العزف على الآلة. الموسيقي الذي وُلد من أمّ أميركية من أصول أفريقية وأب فرنسي ترعرع في باريس، انتقل لاحقاً إلى الولايات المتحدة حيث أكمل دراساته في معهد «بيركلي كوليدج» للموسيقى وهو يقيم حالياً في نيويورك. بفضل كل هذه التأثيرات المتنوّعة، بنى لنفسه أسلوباً خاصاً وبرز في ساحة الجاز في تسعينيات القرن المنصرم.
محطة هامّة في مسيرته كانت عندما فاز بجائزة «ثيلونيوس مونك» عام 1993، وهي من الجوائز الشهيرة في عالم الجاز، وخصوصاً أنّها تحمل اسم المؤلف وعازف الجاز الأسطوري الذي أمضى تيراسون الكثير من الوقت يصغي إليه، إضافة إلى باد باوول وبيل إيفنس. الجائزة التي حازها، فتحت أمامه أبواباً كثيرة أبرزها توقيعه عقداً مع شركة إنتاج «بلو نوت» التي أطلق معها ثلاث أسطوانات مع فرقته الثلاثية. وقد تعاون تيراسون في الماضي مع عازفين مختلفين في حفلاته وألبوماته، وربطته علاقة موسيقية طويلة الأمد بعازف الإيقاعات والدرامز ليون باركر وعازف الكونترباص أوغونا أكيغوو، ثم شكّل فرقاً ثلاثية جديدة لاحقاً.
كثيراً ما يُقارن أداؤه بباد باويل وأحمد جمال


كثيراً ما يُقارن جاكي تيراسون في أدائه بباد باويل وأحمد جمال وغيرهما. هو أقرّ مراراً أنه كان يتابع عزف كبار الجاز ويستعيد على البيانو وضعية الأصابع نفسها التي يستخدمونها، إضافة إلى إيقاعاتهم ليعود ويتحرر منها تدريجاً ويكوّن خصوصيته. سهولة عزفه أصعب المقاطع وتنقّل أصابعه على لمسات البيانو بسرعة كبيرة أحياناً، ولكن بسيطرة تامة، من الأمور التي تستدعي تمكّناً في العزف ومعرفة معمّقة بالآلة. هو أيضاً متأثر بمؤلّفي القرن العشرين الكلاسيكيين أمثال رافيل وفوريه ودوبوسي ودوتييو، وهو يلجأ أحياناً إلى بعض من مقاطعهم الموسيقية لإدخالها هنا وهناك في مؤلّفاته. تدرّبه كموسيقي كلاسيكي قبل اختياره مسار الجاز، ترك آثاراً واضحة على طريقة عزفه المليئة بالألوان، فهو يجيد الانتقال بين المقاطع الخافتة إلى أخرى أكثر قوة في الصوت، وبين الأجزاء التي تستدعي براعة في العزف وسرعة إلى أخرى أكثر تركيزاً على الإحساس وإخراج أصوات عميقة.
آخر ألبوم أطلقه عام 2019 يحمل عنوان «53»، وهو عمله الـ15، جمع فيه مقطوعات جديدة خاصة جداً. شكّلت هذه الأسطوانة عودته للعمل مع شركة الإنتاج «بلو نوت» ضمن فرقته الثلاثية كما يشير عنوانها أيضاً إلى عمره لدى إصدار الأسطوانة.

* ثلاثي جاكي تيراسون: س: 20:00 مساء اليوم ـــ «ميوزكهول» (ستاركو) ـــ تباع البطاقات في «مكتبة أنطوان».