على مدى 34 عاماً، نجح «المهرجان الدولي للفنون التشكيلية» في المحرس في أن يكون ملتقى سنوياً لفنانين تشكيليين وفوتوغرافيين ونحاتين يأتون إليه من القارات الخمس، فتستحيل المدينة الصغيرة على شاطئ المتوسط من محافظة صفاقس مفتوحة على الألوان، فيما تزدان شوارعها وساحاتها وجدرانها بألوان الفنانين التشكيليين وأحلامهم وجنونهم.هذه المدينة التونسية الظاهرة في العالم العربي خصوصاً، كان وراءها إثنان من مؤسسي المهرجان وهما الفنان التشكيلي يوسف الرقيق الذي غادرنا في 2012 واسماعيل حابة (1942 ــ 2023) الذي رحل في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي وقد أقيمت ظهر أمس الأحد في رواق يوسف الرقيق ذكرى مرور أربعين يوماً على وفاته.
أفنى حابة حياته في خدمة الثقافة منذ أواخر ستينيات القرن الماضي عندما أسس برفقة عدد من الشباب نادٍ للسينما في المحرس وكانت حركة نوادي السينما آنذاك مختبرات وفضاءات لنقاش الأفكار التقدمية وقيم العدالة الاجتماعية والحرية مما جعلها في مواجهة السلطة التي ضيّقت على نشاطها
وفي أواخر ثمانينيات القرن الماضي، أسّس «المهرجان الدولي للفنون التشكيلية» الذي تولى رئاسته بعد رحيل الرقيق وقد نجح في الحفاظ على إشعاعه رغم تراجع المعلنين وصعوبات التمويل.
على مدار العام، كان حابة يتنقل بين المحرس والعاصمة تونس لضمان تمويل المهرجان ودعوة الفنانين والنقاد الذين يحجون إلى المحرس كل صيف.
وظهر أمس الأحد، بكت المحرس رئيس مهرجانها الذي قضى حياته متطوّعاً لخدمته، وقد تحدّث الجميع عن صفات حابة كما عبّروا عن مخاوفهم من أن يفقد المهرجان بريقه، إذ كان الراحل يتمتع بكثير من الصبر وكبر النفس والعطاء حتّى يستمر الحدث.
وكانت لحظات صعبة في الحديث عن اسماعيل حابة بصيغة الماضي، كما قال خلفه في رئاسة المهرجان علي بوعلي الذي وعد بالاستمرار وفاءاً للمؤسس وحفاظاً على الإرث الفني الذي تملكه المدينة والمقدّر بآلاف اللوحات وعشرات النصب الفنية الموزّعة بين ساحاتها الصغيرة وشوارعها.
اللقاء التأبيني حضره عدد من الرسّامين والأكاديميين من «جامعة صفاقس» خاصة، إحياءً لذكرى حابة المحفور اسمه كما رفيق دربه يوسف الرقيق في ألوان المدينة التي يحضنها المتوسّط.