عُقِد قبل ظهر أمس المؤتمر الصحافي السنوي لـ «مهرجان البستان» الذي تُقام دورته بين 23 شباط (فبراير) و19 آذار (مارس) المقبلَين. تحت عنوان «إيقاعات السلام»، ينظّم المهرجان العريق 19 أمسية، تطغى عليها الموسيقى الكلاسيكية الغربية بطبيعة الحال، لكنّها لا تهمّش أنماطاً أخرى ذات أهمّية فنّية ورمزية.قدّمت مديرة المهرجان، لورا بستاني، الدورة المرتقبة، مركّزةً على دور الموسيقى في بعث رسالة سلام بزمن الحرب. المقصود هنا هو المعنى العام، لكن الدافع الرئيسي باتجاه تبنّي المهرجان هذا العنوان لدورته لموسم 2023 هو الحرب ذات الملامح شبه العالمية بين روسيا وأوكرانيا. إنّها نقطة شديدة الدقّة والحساسية، وقد تعامل معها المهرجان بأسلوب عقلاني، راقٍ، يصبّ بعض الماء البارد على الرؤوس الحامية بدلاً من النفخ في النار، تحديداً في مجال الثقافة (والموسيقى أوّلها)، كما تصرّف منذ نحو سنة لغاية اليوم الجانب الأوكراني والغربي عموماً، أو الداعم لهذا الطرف من الصراع في أي مكان بالعالم، ومنها لبنان. لنا عودة مفصّلة لهذا الموضوع والطريقة السليمة الذي عالجه بها «البستان»، في الملف الذي نخصصه لاحقاً للحدث.
بعدها، عرض المدير الفنّي للمهرجان، قائد الأوركسترا الإيطالي جيانلوقا مارتيشانو، البرنامج بالتفصيل، متوقّفاً عند المحطات البارزة، وهي كثيرة بالمناسبة. هنا، يجب القول إنّ هناك تحسناً ملحوظاً في البرمجة، بدلاً من تراجعٍ متوقّع ومبرَّر في ظل الظروف التي سارت، بين السنة الماضية والآن، من الأسوأ إلى ما بعده! ثلّة من النجوم العالميين الذين لا يتوقعهم المرء في ظروف مماثلة، آتون فعلاً لتقديم مساهماتهم: الطفل المعجزة قبل سنوات، الشاب اليوم، عازف البيانو الروسي ألكسندر مالوفييف، زميلته في المهنة، جارته في الجغرافيا، الأوكرانية فالنتينا ليسيتسا، ناتالي كلاين (تشيلّو)، رونو كابوسون (كمان ــ في مشاركته الألف بالمهرجان)، باولو أولمي (قائد أوركسترا)، وطبعاً أمير الكلارينت في «برلين الفلهارمونية»، الذي شقّ طريقاً مستقلاً (تسجيلات باسمه) بموازاة كرسيّه ضمن «برلين»، النمسوي أندرياس أوتنزامر، غير أنه هنا للعب دور قائد أوركسترا، مع حصة ضرورية لعازف الكلارينت الذي فيه. هؤلاء وغيرهم كثيرون. وتضاف إليهم أوركسترا من إيطاليا ورباعي وتريات فرنسي وموسيقيون من عالم الجاز وموسيقيون من لبنان وفلسطين، وبعض المغتربين مثل عبد الرحمن الباشا (بيانو) وجويس خوري (سوبرانو)، بالإضافة إلى المغنية لينا فرح التي تحيي أمسية غنائية بعنوان «جايي الإيام» من توقيع الفنان جورج خبّاز شعراً ولحناً والموسيقي لوقا صقر توزيعاً (ويُطلق للمناسبة الألبوم الذي يحوي الأغنيات التي في البرنامج وغيرها). أما من خارج البرنامج، فتلقي الباحثة زينة صالح كيالي محاضرة بعنوان «حرب وسلام في الموسيقى»، يليها جورج حداد، الطبيب «المتوَرِّط» شغفاً بالموسيقى، محاضرةً بعنوان «رخمانينوف، الرومنطيقي الأخير»، ونشاطات أخرى نعود إليها لاحقاً، كما نعود إلى برامج الأمسيات التي يمكن اعتبار تنوّعها شكلاً ومضموناً من النوع الذي لا يُفَوّت… إنّها نكبة مادية حقيقية (رغم الأسعار المنخفضة نسبياً للبطاقات)، لكن يمكن حلّها في «الحالات الطارئة».