زيتيّات مشرقة زاهية فرحة للتشكيليّة ريما أميوني نستطيع إمتاع نظرنا وحواسنا بها حتى 11 شباط (فبراير) المقبل في «غاليري عايدة شرفان» (ستاركو). تحت عنوان «حديقة واسعة تمسك بسمائها بين أغصانها»، نرى أعمالاً ذات أحجام مختلفة يوحّدها المنظر الطبيعيّ والحدائق بألوان قويّة مدهشة. لا مسافة في لوحات أميوني بين اللون والفكرة. ملوانتها متدفّقة جمالياً من اللاوعي، على طريقة السورياليين، كأنّ اللون يحلّ مكان الفكرة معبّراً بانهماره وتدفّقه عن حالة ذاتيّة غير معدّة سلفاً ومن دون تكوين هندسيّ، معتمداً على قوّة «ضربة» وطول تجربة. نستعيد هنا واقعة حصلت مع الفنان الكبير الراحل بول غيراغوسيان حين طلبت سيّدة إليه أن يرسم لها بورتريهاً، فأنجز طلبها ببضع ضربات سريعة.
«غابة سحرية» (زيت على كانفاس ــــ 140 × 160 سنتم ــــ 2022)

صدمت بما فعل، قائلةً: «لكنّه رسم سريع»، فأجابها: «هذه الضربة عمرها أربعون سنة». الفرق بين غيراغوسيان وأميوني أنّ ضرباتها السريعة معرّضة لعدم إصابة الهدف دائماً. الأمر متعلّق بالميزة الخاصة التي ينعم بها الرسّام (كما هي الحال بالنسبة إلى غيراغوسيان) أو بمن يداني تلك الميزة ولا يتمكّن من امتلاكها على نحو تامّ، وهذا ينطبق على لوحات أميوني.
‏توسّل شعراء السورياليّة التدفّق الآليّ (الأوتوماتيكي) للّاوعي، إنّما أيضاً عنصر المصادفة. مع الوقت فقدت تجربتهم بعضاً من نضارتها وجدّتها وألقها. هذا ينطبق على عالم اللوحة، فالضربة السريعة تستدعي تراكماً من التجربة لبلوغ مستوى البراعة والفرادة. أمّا حين لا تكون سرعة الضربات اللونيّة ناجحة كلّياً، فإنّ الألوان تتضارب داخل اللوحة الواحدة بحيث تفقد تناغمها ووحدة الأسلوب. وأميوني تعتمد في لوحاتها المعلّقة اليوم أسلوباً بصريّاً مغرياً ذا خطوط وألوان تفتقد الموضوع وتتّكئ على الحاسّة اللونيّة وتنجح في تلافي التكرار، إذ تضيف في كل لوحة عنصراً شعوريّاً جديداً، فاللون حالة داخليّة ورؤية فنيّة تشبهان «الحالة الزرقاء» لدى بيكاسو أو مرحلة «الوجوه الأيقونيّة» لدى غيراغوسيان.
‏الارتجال الشعوريّ اللونيّ مهمّ لدى أميوني لإيقاعات موحّدة الرؤية تستخدم «الفكرة» لعدم تشويه «الموضوع». تتكرّر الحديقة لكن مع إضافات بين لوحة وأخرى. يمنع البناءُ المختلف والضربةُ المتمايزة التكرار. هذا ما تعتمده أميوني وإن تعدّدت منابع تأثّرها، فالتأثّر شيء والتقليد شيء آخر. هي لا تقلّد من سبقوها، عالميّاً ومحلّياً، بل تتأثّر وتبني فرادتها. كيمياؤها اللونيّة ناجحة كثافةً وإيحاءً.
كيمياؤها اللونيّة ناجحة كثافةً وإيحاءً

تراكماتها اللونيّة كثيفة، مشبعة عصباً وفوراناً ونبضاً، بعيداً عن الصرامة الأكاديمية. عفويّة، تلقائيّة، انفعاليّة وشهوانيّة. كلٌّ لوحاتها تتشكّل ضمن دائرة عاطفيّة. تختزل الوصف للواقع الطبيعيّ كي تعيد تركيبه بضربة ريشة مستسلمة للإحساس باللون. مخيّلتها «الآلية» مفتوحة على التجريد، معرّجةً على البيت والأصدقاء والأهل والطبيعة الصامتة، بين مذاهب تشكيليّة متنوّعة، انطباعية وتعبيرية، ضمن فضاء خاص ذي فرادة وجاذبيّة.
‏ترسم أميوني بنشوة، غير هاجسة بما يمكن أن يكون «صارماً» بالمعايير التشكيليّة، فيفقدها بالتالي جزءاً من العفوية والتلقائيّة (ربما الطفوليّة) التي ترغب فيهما بشدّة. التعبير غير المشروط أولوّية لديها، وتنجح في ذلك إذ تعفينا نقّاداً وزوّاراً، من التقويم «الأكاديميّ»، أو ما كانت أعمالها لتشقّ طريقها إلى معارض عالمية من لندن إلى نيويورك حيث تلقى تبنّياً وإعجاباً وتقديراً.

* «حديقة واسعة تمسك بسمائها بين أغصانها»: حتى 11 شباط (فبراير) ـــ «غاليري عايدة شرفان» (ستاركو) ـ للاستعلام: 03/839111