تحتضن «غاليري صالح بركات» (كليمنصو)، معرض BEIRUT OCTET لعفاف زريق (مواليد 1948) يضمّ مجموعة لوحات مائية تجريديّة لطبيعة مبهمة، غارقة في ضبابيّة التدرّجات اللونيّة واللطخات الداكنة ذات الخطوط النافرة، كأنّها تعبّر بالإيماء أو بالإشارات الخجولة فوق أرضيّة سائلة تموج بانفعالات بالكاد هي منظورة. لوحات متقشفة لوناً وتكويناً حتى تكاد تبدو طفوليّة يمليها مزاج عفويّ خاص.
بدون عنوان (مواد مختلفة على كانفاس ــ 100 × 80 ـ 2022)

توزّعت لوحات زريق على ثمانية أركان من مساحة الغاليري، وكلّ منها يحمل عنواناً: «الفجر/ البدايات»، «الصباح/ الأزهار»، «منتصف النهار/ المرونة»، «بعد الظهر/ التأمل»، «المساء/ النور»، «غروب الشمس/ الثقة»، «الشفق/ الهدوء»، و«الغسق/ التعالي». عفاف ليست رسّامة فحسب بل شاعرة وكاتبة أيضاً، لذا رافقت لوحاتها نصوص (طويلة نسبياً) بالإنكليزية. أمّا لماذا بهذه اللغة؟ فلأنّ الفنانة هاجرت منذ مدّة طويلة إلى الولايات المتحدة وتآلفت مع لغتها الجديدة. ترسم وتطرح أسئلة عبر نصوصها ليتكامل خطابها التشكيليّ مع الخطاب الوجدانيّ المطروح كنصّ في محاذاة كل لوحة. علماً بأنّ العلاقة الجدليّة بين اللوحة والنصّ شائعة وقديمة، إذ ألهمت قصائد فرلين الرسّامين الانطباعيين، وأوحت قصائد أراغون للسورياليين والدادائيين أمثال خوان ميرو وكاندينسكي ودالي، كذلك للتكعيبيّ الرائد بيكاسو. وامتلأ شعر بول فاليري بمعاجم الألوان، وغلب اللون الأخضر في شعر لوركا، والأزرق في نصوص كيتس الشعرية. واستلهم بودلير اللوحة في قصيدته «منارات» التي يمرّ فيها على أعمال روبنز ودافنشي ورامبرانت وغويا ودولاكروا. وعندنا، شرقاً، على سبيل المثال لا الحصر، كتب فاتح المدرّس شعراً حراً ونصوصاً إلى جانب أعماله ﺍﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴّﺔ، واهتمّ أدونيس في المقابل بفنّ الكولاج وضمّن شعره لوحات وخطوطاً تشكيلية.
كأنّها في رحلة بحث عن بيروت الضائعة وسط ضباب الحروب والمآسي


تعكس أعمال زريق تجربتها الذاتيّة في الأوقات الصعبة، كفترة الهجرة، ساعيةً خلف التعبير عن أسئلة القيم المتقلّبة والتطلّعات الإنسانية. نصوصها المكتوبة مثل ملوانتها، عفويّة، بسيطة، تتبع مساراً داخليّاً لا تهجس في أن يكون واضحاً سهل القراءة. تدعونا عبر تدرّجات اللون المخفّف حتى درجة طغيان الأبيض على المشحات اللونيّة الأخرى، كأنّها في رحلة بحث عن بيروت الضائعة وسط ضباب الحروب والمآسي. لوحاتها قصائد ضبابيّة مليئة بالظلال المفتوحة على الخيال والأفق البعيد غير الجليّ. في لوحاتها دفء وعاطفة، رقّة وحزن، حبّ وفَقْد. ومن هنا فكرة الفصول الثمانية عن بيروت التائهة في التاريخ والخاضعة لقدرها المأساوي. مع ذلك، لا تتردّد زريق في التعبير عن حبّها للمدينة التي عاشت ودرست فيها قبل هَجْرها، ثم العودة إليها مجدّداً، فهي درست الفنون الجميلة في «الجامعة الأميركية في بيروت» حيث نالت البكالوريوس بامتياز عام 1970 قبل التحاقها بـ «جامعة هارفرد» حيث حازت الماجستير عام 1972. أمّا اليوم فهي عادت لتقيم وتعمل في بيروت.

* BEIRUT OCTET: حتى 26 شباط (فبراير) ـــ «غاليري صالح بركات» (كليمنصو) ــ للاستعلام: 01/345213