يبدو فيلم «العايلة» (لمرزاق علواش- 95 د- إنتاج الجزائر 2022- العرض الأول في «مهرجان القاهرة السينمائي» الأخير) مكشوفاً منذ اللحظة الأولى، باعتبار أنه يعاين اليوميات الأخيرة لوزير فاسد، جرّب الهرب من الحراك الشعبي الذي طوّق البلاد عام 2019 مع انطلاق التظاهرات في معظم المدن الجزائرية، ما أدى إلى احتجاز مسؤولين كبار ووزراء بتُهم فساد، ثم صدرت أحكام بالسجن على العديد منهم. وقد بات هذا الظرف وشيكاً من إحكام الخناق حول عنق بطل الحكاية، لذا سيحاول تعقّب أثر نجاته، حتى يتاح له ذلك حسب وهمه، فخلال الطريق نحو الهرب تبدأ المكاشفات بين الوزير وزوجته، وتفتح صناديق التراكمات من الخلافات المكدّسة التي تؤول إلى عراكات متلاحقة، ، تصل إلى مكامن مترفة بالسطحية والسذاجة، وفق منطق حوار يريد التعبير عن هذا الخلاف، لكنه يقع في مبالغة شديدة ودوران ضمن حلقة مفرغة تستهلك وقتاً أكبر مما تستحق من زمن الشريط.يجرّب السائق غواية ابنة الوزير التي وقع في غرامها خلال شغله مع العائلة، من دون أن توافيه بمراده، بعد أن تركت قلبها عالقاً عند صديقتها التي تجمعها علاقة مثلية بها. في نهاية المطاف، يجد الوزير نفسه بين يدي مهرّب ما هو حقيقة إلا أحد الشبان الذين تضرروا وأمضوا فترة سجن طويلة بسبب فساد الوزير وقد وصل له بترتيب من سائقه ومرافقه الشخصي! لذا سيرتجي الشاب المظلوم من جور الوزير، إذاقته القصاص، ومحاولة قتله أمام عيني زوجته، لكّنه يقتل نفسه برصاصة تخطئ هدفها! بينما تنجو الإبنة التي فضلّت العودة مع السائق من دون أن يحظى بشيء منها. وفور رجوعها، تتلقف خبر وفاة صديقتها وحبيبتها التي كانت تشاركها الحراك الشعبي!
هكذا، يسير الشريط في سياقه فيحسب له طرحه للساعات الأخيرة في حياة سياسي فاسد، هارب من مواجهة مصيره القاتم، وصوغه لعلاقة مثلية بطريقة سلسة، وبارعة في خلق تعاطف المتفرّج. كما تسجّل له اللغة البصرية قيمة مضافة، خاصة لدى محاولة إشراك المتلقّي بالحدث من خلال حركة الكاميرا التي تنسج حالة الشخصية، وتجرّب القبض بإحكام على كوامنها النفسية المتباينة. تلاحق العدسة مساحات الجزائر الواسعة، وتناقض بشاعرية فائضة وصورة مدهشة الاختلاف الصريح في البيئة الجغرافية خلال انتقال عربة العائلة نحو الصحراء. كلّ ذلك من دون اشتباك موضوعي مع غليان الشارع، أو رغبة تقفّي ظروفه بتماس مباشر، في حين ينحو الحدث لصالح رصد وتفكيك بنيّة العائلة، وتشريحها وفضح تهاويها المطلق، وعناية ربّتها بالثانويات على حساب الجوهري في يوميات أسرتها ومصيرها المحاصر... وتبقى الهنّة الصريحة في الفيلم هي بناء حكايته المتوقعة بكل تفاصيلها حتى أغلب خواتيمها.
مرزاق علواش من أكثر السينمائيين الجزائريين المؤثرين سبق أن تقدم فيلمه «مرحبا ابن العم» سنة 1996 إلى ترشيحات جوائز الأوسكار في دورته التاسعة والستين ضمن فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية. كما حصد جوائز عدة في مهرجانات دولية، منها الجائزة الفضية عن فيلم «عمر قتلتوا الرجلة» من «مهرجان موسكو السينمائي الدولي» (1976) وجائزة أفضل فيلم من «مهرجان الدوحة السينمائي الدولي» عن فيلم «نورمال» (2011) كما عرض فيلمه «التائب» في قسم أسبوع المخرجين في «مهرجان كان السينمائي الدولي» (2012).