منذ الفيلم السينمائي الذي عرضته سينما متنقلة للجيش في الجولان عام 1961 وكان من بطولة نجاح سلام التي غنت «ميّل يا غزيّل» وصودف أنه أوّل شريط يحضره عبد اللطيف عبد الحميد وهو طفل يتأبّط براءته وما يُتاح له من ألعاب وأغراض ويمضي خلف والده العسكري الذي جاب الأراضي السورية في خدمته، إلى ليلة أوّل من أمس عند افتتاح فيلمه «الطريق» بعرض خاص في «دار الأوبرا السورية» (الشريط إخراجه وكتابته مع الراحل عادل محمود ــ حاز على جائزة أفضل سيناريو في «مهرجان قرطاج السينمائي» بدورته الأخيرة كما حصل على جائزة أفضل ممثل لموفق الأحمد الذي أدّى البطولة إلى جانب أحمد كنعان، ماجد عيسى، راما زين العابدين، مأمون الخطيب، تماضر غانم وغيرهم)، خاض عبد الحميد مشواراً طويلاً لعلّ سمته الساطعة أنه كان محفوفاً بالإبداع والإصرار على الإنجاز، ولو من العدم أو الفتات في أحسن الأحوال! صاحب «ليالي ابن آوى» ما زال مستمراً غير آبه بعدّاد العمر، ولا بعملية القلب المفتوح التي أجراها أخيراً، ولا حتى بضنك الحياة وعتمتها وقسوتها المفرطة التي يعيشها في الشام! على هذه الحالة، ربما لا يكون مفيداً الاشتباك النقدي مع مخرج أمضى 40 عاماً منذ تخرّجه من معهد السينما في موسكو وحتى اليوم في العمل المتواصل، لدرجة أنّه صنع تاريخاً صريحاً ومرجعياً في السينما السورية. ولعلّ اللّحظة الأكثر صدقاً ودعوة نحو تسييجها بالحفاوة لشدّة بلاغتها، هي عندما صعد صاحب «رسائل شفهية» على المنصّة ليقدّم فيلمه وفريقه للتحية، فحكى عن رفيقة دربه وزوجته الراحلة مصممة الأزياء لاريسا عبد الحميد وغصّ بالبكاء كونها غادرت أثناء إنجازه الفيلم. سالت دموعه كأنه يحفز وجدان الصالة الصامتة، ومن ثم عاد ليستجمع قواه ويشرح كيف مضت قبل أن ترى الشريط، فأهداه لها على الشارة، لكنه عجز عن فعل مشابه لشريكه في كتابة السيناريو وصديقه الشاعر عادل محمود الذي دخل غيبوبة قبل عرض الفيلم الأوّل في قرطاج، وغادر بعد فوزه بجائزة أفضل سيناريو بساعات قليلة! قال له بصوت مرتجف ولحظة مهيبة بعدما تماسك لكن بتأثر إضافي ولكنة موغلة في الرغبة العارمة للبوح الآسر: «منذ زمن طويل عرفت عادل محمود، كان رفيق درب وشقيق روح، تقاسمنا سوية دروب الحياة. عادل شاعر وروائي وصحافي لكن لم يسبق له كتابة السيناريو السينمائي، أصرّيت عليه كي نكتب سيناريو هذا الفيلم سوياً، تردّدت كثيراً لكنّه انصاع أخيراً لإلحاحي. كتب خطوطاً عريضة ثم أقفل الكوكب وجلسنا في بيوتنا بسبب كورونا. هكذا، صار يرسل لي أفكاره على «الواتساب» وأكملنا حتى وصلنا إلى النسخة الذي صار عليها فيلمنا، وحصدنا جائزة أفضل سيناريو في «أيام قرطاج السينمائية»... كنت أتمنى أن يعرف بذلك، لكنه كان قد دخل غيبوبة لم يصحُ منها أبداً. مضى من دون أن يعرف أنه فاز بجائزة السيناريو الذي شارك في كتابته... لروحك أهدي هذا الفيلم صديقي المبدع عادل محمود».