تونس | بعد ربع قرن، عاد أنور ابراهم (1957) الى قرطاج بعرض جديد وجمهور اكتظت به مدارج مسرح قرطاج الروماني. جاء لينصت للفنان الذي دفعه فشل عرضه الأول في قرطاج أواخر الثمانينيات الى مسيرة عالمية لم يصلها عازف عود عربي قبله. مساء الخميس الماضي، افتتح انور براهم الدورة الخمسين من «مهرجان قرطاج الدولي» الذي مرّ به في بداية مسيرته قبل ربع قرن. لكنّ فنه الجديد آنذاك القائم على المزج بين المقامات الشرقية والبلوز والجاز والموسيقى الكلاسيكية، لم يلق صدى لدى جمهور قرطاج.
لكن الشاب انور براهم آنذاك أصر على اختياره، ومضى فيه بعيداً معانقاً العالمية. وخلال ربع القرن هذا، لم يقدم براهم في تونس الا ثلاثة عروض فقط. خلافاً لكل أعماله السابقة هذه المرة، اختار أن يبدأ جولته بعرض «استذكار» من تونس وتحديداً من «مهرجان قرطاج». عرض جمع عشرين عازفاً من إستونيا مع رباعي صولو من خيرة العازفين العالميين: عازف البيانو فرنسوا كوتورييه وعازف الكلارينيت كلاوس جيسينغ وعازف الكونترباص بيورن ماير وأنور ابراهم على آلة العود. العرض الاول لـ«استذكار» قبل الانطلاق في جولة عالمية، كان عرضاً للسفر مع احلام البسطاء الذين حلموا بالحرية والعدالة. لكن ثورتهم سرقت منهم. موسيقى تحمل الكثير من المرارة والانكسار جسدتها تجليات الكمنجة التي حلق بها الجمهور بعيداً. موسيقى جمعت بين الجاز والبلوز والموسيقى الكلاسيكية. عوالم متعددة أدمجها أنور مع المقامات العربية على آلة العود ليصنع منها خطاباً موسيقياً حالماً لا يشبه الا موسيقى براهم.

موسيقى «استذكار» حملت كثيراً
من المرارة من خلال تجليات الكمنجة

على مدى حوالى ساعتين، كانت مجموعة «استذكار» تعزف والجمهور الذي حضر بالآلاف ينصت بخشوع لهذا المؤلف الموسيقي المتفرد الذي عاد الى قرطاج بعدما حلق الى العالمية، ولم يعبأ بالرفض الاول للجمهور على طريقة الفنانين الكبار من موسيقيين ونحاتين ورسامين لم يتقبلهم الجمهور في البداية، لكنهم أصروا على مشروعهم وحققوا العالمية. «استذكار» توليفة من الموسيقى الكلاسيكية التي ترجمتها الكمنجة الحاضرة بقوة في العرض، وموسيقى الجاز ذات الروح المعذبة والتأملات الصوفية للموسيقى الشرقية.
الدورة الخمسين لـ«مهرجان قرطاج» كانت بدايتها متعة روحية عارمة مع فنان استثنائي اختار أن يكون حضوره في تونس قليلاً، لكنه حمل رايتها في العالم. وهذا العرض يعتبره انور براهم كما صرح للصحافة قبل العرض بيوم بأنّه استلهام مما حدث في تونس في «ثورة جانفي ٢٠١١». وهو عرض بقدر ما فيه من مرارة وأسى في تجليات الكمنجة والكلارينيت والكونترباص والعود وصوت الأوركسترا، بقدر ما فيه من أمل فياض بغد آخر تنعم فيه تونس بالحرية. وبين هذا وذاك مطبات وتجاذبات تواجهها تونس بكثير من الصبر والأمل.