«إذا كنت موافق على البرنامج بتكون إنت «قواد» والبنات «عاهرات»» كلمات مباشرة (عدّلناها لتكون بالفصحى) قالها عمّ بطل فيلم «عالم التلفزيون» (كتابة فؤاد يمّين وإخراج روبير كريمونا)، تعقبياً على تقديمه برنامج «نقشت» الذي يستضيف فتيات يحاولن «الفوز» بعاشقٍ في الحلقة. يحاول الممثل اللبناني فؤاد يمّين كسر البعد «الوهمي» بين المشاهد والواقع كما هو من دون أي تجميل. عم البطل يشبه «المجتمع» بطبيعته المباشرة من دون أي لبس أو تجميل. إنه استخدام لـ «الشخصية الأصلية» والحياة الواقعية لفؤاد يمّين مع دمجها في جوٍ من الأحداث التي تشبه الخيال.منذ بداية الفيلم المتوافر على «شاهد»، يشرح لنا يمّين العلاقة التي تربطه بعالم التلفزيون والتمثيل منذ طفولته حتى وصوله إلى مرحلة الشهرة. يغوص حتى في شكله، حين أجرى عملية شفطٍ للدهون خفّضت وزنه وغيّرت شكله، مما أفقده «الكثير من التقبّل لدى المخرجين/المنتجين وكذلك المشاهدين» كما يقول يمين. هذا الأمر أدى به إلى قبول تقديم برنامجTAKE ME OUT أو ما عرف عربياً باسم «نقشت». يشرح يمّين الذي يستخدم اسمه الحقيقي في الفيلم، كيف أثّر الضغط الإجتماعي المتمثل في الواقع الحقيقي من خلال شجاراته مع عائلته، وعمّه (علي كمال) تحديداً، والنقاشات الحادة على السوشال ميديا على البرنامج وعليه شخصياً. حتى إنّ مشاركة (شمس رغدو) في البرنامج أخبرته لدى لقائها به مصادفةً أن «حياتها تدمّرت» بعد هذه المشاركة. يهاجم يمّين التلفزيونات وإداراتها من خلال إظهاره أكثر من شخصية مسؤولة في هذه الإدارات: يظهر المدير المتحرّش (تشارل كريمونا) الذي يستغل منصبه لأهداف دنيئة، ومديرة البرنامج (بيتي توتل) التي لا تهتم سوى لنجاح برنامجها، مهما كانت الخسائر التي تحيق بمقدّم العمل أو مشاركيه. كل ما يجري في البرنامج يؤثر على حياة البطل، فرسالة هاتفية قصيرة تهدد علاقته بزوجته سارة (رزان الجمال). تظهر له زوجته إثر خلافٍ بينهما رسائل قصيرة تصلها هي أيضاً من أصدقائها يلومونها على برنامجٍ فاسدٍ كهذا. يحاول فؤاد أن يستجمع شجاعته، رغم أنه يعرف أن فرصةً للوقوف أمام الكاميرا التي يحب قد تكون ضئيلة في حال فضح ما يحصل أو حكى كل التفاصيل التي يعرفها. منذ بداية الفيلم، يظهر أنه يصوّر فيديو قصيراً للعرض على السوشال ميديا، معتذراً عما قدّمه في البرنامج. لكنه في كل مرةٍ يشير إلى أنه لا يمتلك الجرأة لنشره، فهل ينشره؟ يواجه فؤاد في الفيلم صراعاتٍ كثيرة أحدها الدعوى القضائية التي تقام ضد البرنامج تحت حجّة «خدش الحياء العام».
على الرغم من قسوة الفيلم كونه يخلط بين الواقع المتخيّل والواقع الأصيل، لكن شخصية فؤاد الظريفة كمؤدٍ خففت من وطأة هذا الثقل. يبذل يمين جهداً كبيراً لكي يحافظ على التوازن بين شخصيته التي يريدها أن تكون واقعية، وبين الشخصية التي يقدّمها في الفيلم، فيختلط الأمر على المشاهد، ويعتقد أنه أمام فؤاد يمين الحقيقي. هذا النوع من العمل يخرق البعد الرابع (أو الجدار الرابع) كما في المسرح. يتحدّث البطل مع المشاهدين بشكلٍ مباشر عبر الشاشة، كما لو أنه يسرّ لهم ما في خاطره. هذا الأمر شاهدناه مع مخرجين كبار أمثال وودي ألن في فيلم «آني هول» (1977)، ومارتن سكورسيزي في فيلم «ذئب وول ستريت» (2014). وأخيراً، شاهد عشاق أفلام الكوميكس والأبطال الخارقين فيلم «ديدبول» حيث تكسر الشخصية هذا البعد طوال الوقت، وتتحدّث مع الجمهور مباشرةً، ورفعت شركة «مارفل» هذا الأمر إلى أقصاه حين قدّمت شخصية «غوين بول» التي تعرف بأنها «شخصية كوميكس» في قصة كوميكس وتحكي مع الجمهور بناءً على هذا الاعتبار، ولاحقاً جارتها «دي سي» من خلال شخصيات مثل Ambush Bug.
على جانبٍ آخر، يطرق الفيلم بقوة فكرة برامج المسابقات بكل ما تحمله من فكرة استهلاكية. «يسوّق» لفتياتٍ جميلاتٍ يقدمهن كسلعة، وسواء أظهر ذلك الفيلم بشكلٍ تعاطفي أو حتى بصورته المباشرة، فإن ذلك يظل ضمن الفكرة المخيفة. إن البطل في الفيلم، هو جزءٌ من هذا الإستغلال والاستهلاك. فالقناة العارضة تستغله كما الفتيات، لا أكثر ولا أقل، وهو والفتيات يبيعون أنفسهم، وهذا ما يظهره الفيلم بشكلٍ واضح. هو مضطرٌ للظهور في البرنامج رغبةً في البقاء على الهواء، وعلى الشاشة، ولكل مشاركة أسبابها الخاصة للظهور في البرنامج. يناقش الفيلم في حوارٍ بين البطل ومدير القناة (علي سعد) مفهوم الحرية وكيف أنه «من يحدد مفهوم خدش الحياء» وكيف «نقيس الحرية» وماذا «يغيّر هكذا برنامج» في المجتمع؟ يحوّل النقاش هذا البرنامج إلى «وسيلةٍ للتحرر» و«حق في القول والتعبير» وفي هذا أيضاً جزءٌ من لعبة الاستهلاك والإستسخاف عينها. ما هو فعلياً الإنجاز أو «الصراع لأجل الحرية» الذي يقدمه برنامج مثل «نقشت»؟ هذا يسخّف الصراع لأجل الحرية، أو أي صراع خاضه أحد للحصول على حقٍ بالقول أو بالفعل، أو التصرفّ. أما أضعف لحظات الفيلم، ولربما سقطاته، فهي لحظة جلوس فؤاد ورهف (ليا كريمونا) مقدّمة البرامج المحجّبة المنافسة له؛ التي تخبره بالحرف الواحد أنّه «يمثل كل شيء هي ضده». اللافت أن صنّاع العمل لم يلتفتوا نهائياً لأن الفتاة المحجبة «وإن ارتدت توربان (نوع من أنواع أغطية الرأس) فهي لا تكشف رقبتها كاملة ولا تبين مقدّمة شعرها، هذا أولاً، ثانياً قلةٌ من هذا النوع من الفتيات، يقبلن بأن يلتقين أي شخص في مكانٍ يبيع الكحول، ناهيك بجلوسها معه أثناء قيامه بذلك. ففي المعتاد الفتيات المتدينات يرفضن القيام بذلك، ولو كان الأمر مجرد استعراض فكونها شخصية عامة لديها مثل هذا التوجه هي على الأقل ستراعي فكرة تأثير هكذا جلسة على صورتها المتدينة العامة. لربما أراد صنّاع العمل أن يقولوا بأنَّ كلا الشخصين وجهان لعملةٍ واحدة، وأنهما يلتقيان في الفخ الإستهلاكي.
***
يعرض على «شاهد»