منذ تأسيسه في العشرينيات من القرن الماضي، لعب «المعهد الوطني العالي للموسيقى ـــ الكونسرفتوار» دوراً ريادياً في نشر الثقافة الفنية وتعليم الموسيقى والغناء وقدّم أمسيات موسيقية لأهم المؤلّفين في العالم من خلال أوركسترا تشكّلت في البداية من أساتذة الكونسرفتوار لغاية عام 2000 الذي شهد تأسيس «الأوركسترا السيمفونية الوطنية» التي أصبحت منذ عام 2010 «الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية»، و«الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية». لكنّ هذا الصرح الفني يعاني اليوم الأمرّين، مثله مثل أي صرح تربوي آخر بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالبلد. بات الجميع اليوم أمام معضلة عدم استطاعة الموظفين والأساتذة الذهاب إلى مراكز أعمالهم كما كلّ موظفي القطاع العام الذين دخلوا إضراباً طويل الأمد، فُكّ منذ فترة بعد تواطؤ السلطة عليهم.
المشروع الصيني للكونسرفتوار في منطقة ضبيه (هيثم الموسوي)

بين رئيس أصيل وآخر غير أصيل تضيع جهود أحياناً بسبب مزاج وزير. مع العلم أنّ القانون لا يحدّد طائفة رئيس الكونسرفتوار، لكن كما كلّ المناصب في لبنان، يصبح العرف قانوناً... والعرف يقضي بأن يكون رئيس الكونسرفتوار أرثوذكسياً. تمّ تكليف أكثر من شخص في هذا المنصب، لكن تبقى المشكلة أنّ باستطاعة الوزير أن يلغي تكليف أي شخص ساعة يشاء... فما هي مشاكل المعهد الحالية؟ وما هي استراتيجية النهوض به؟ وهل هي ممكنة في ظل الظروف الحالية؟

وليد مسلّم: المشروع الصيني شبه جاهز
طرحنا عدداً من الأسئلة على الرئيس السابق للكونسرفتوار المايسترو وليد مسلّم الذي اعتذر عن التكليف أخيراً، فكُلِّفت السوبرانو هبة القواس بموجب قرار من وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمد وسام المرتضى، بهدف تسلّم مهام رئاسة مجلس الإدارة والإدارة العامة للكونسرفتوار. عن تجربته في إدارة الكونسرفتوار، يقول مسلّم: «كانت غنية وطويلة، إذ امتدت من عام 2014 إلى عام 2018 ومن ثمّ من عام 2020 إلى عام 2022. بالطبع كان الزخم أكبر في المرحلة الأولى، وكان لديّ برنامج ورؤية للعمل. كنت أطمح إلى تحقيق العديد من الإنجازات وأهمّها أن يكون لدينا مبنى خاص مجهّز للكونسرفتوار وقاعة للأوركسترات لأنّ معظم الفروع تقع في بنايات مخصّصة للسكن، ما خلا بعض الفروع الجديدة الصغيرة. الهمّ الأساس بالنسبة إليّ كان تجهيز هذا المبنى. وحين كنت أعلن عن هذا المشروع، كان يُقال لي إنّك تحلم. وبالفعل كنت أحلم، ومثل الحلم تحقّق هذا الموضوع. بدأنا برفع طلب إلى مجلس الوزراء ووافق على الفكرة وحوّلها إلى مجلس الإنماء والإعمار وتواصلت مع المجلس، ورأينا أنّ الأرض الوحيدة التي يمكن أن تخصّصها لنا الدولة تقع في ضبية على مساحة 15000م. وقدّمت بعد ذلك مشروعاً مكتوباً يتضمّن مواصفات القاعة والمبنى.

هبة القواس (هيثم الموسوي)

ولحسن حظي أنّ الصينيين كانوا يبحثون عن مشروع متكامل يتولّونه في لبنان. وقعوا على هذا المشروع وتمّ التواصل معي من قبل المستشارة التجارية. وهكذا كانت الانطلاقة، وبعد ذلك كان المشوار طويلاً، إذ انتظرنا لتخصّص لنا الدولة الأرض، وقد لعب وزير الثقافة آنذاك روني عريجي دوراً كبيراً في هذا الموضوع. تبنّت الدولة الصينية المشروع. في البداية وافقت على منحنا قرضاً. بعد ذلك، صار القرض هبة مالية، وبعدها تبنّت المشروع بالكامل. ومن يمرّ اليوم بالقرب من ضبية، يرى أنّ المشروع أُنجز إلى حد كبير. وبعد سنة ونصف سنة على أبعد تقدير، ينتهي العمل عليه، وهذا سيكون بمثابة ثورة فكرية وثقافية ونهضة كبيرة، ومركزاً مهماً جداً. أذكر أنّنا عملنا على المراسيم وكنا نقدّم ثلاث حفلات بين الأوركسترا الفيلهارمونية والأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق عربية وموسيقى الحجرة. كما أسّسنا أوركسترات من الطلاب وكورالاً للكبار والصغار. على الرغم من كل الصعوبات، كانت هناك حياة وكنا نشعر أننا على قيد الحياة وأننا نبني ما هو مهم. في المرحلة الثانية، أي من عام 2020 حتى العام الحالي والأزمة الاقتصادية وانهيار الليرة اللبنانية وإفلاس الدولة وكورونا، بات التعليم أونلاين، والعقبات كثيرة جداً، فالأستاذ لا يمكنه أن يعطي إذا لم نؤمّن له الحد الأدنى من العيش الكريم. وهذا ما لم يحصل لأنّ الرواتب باتت تعادل خمسين أو مئة دولار، وبالحدّ الأقصى تصل إلى مئتي دولار. لذلك في الأوركسترا الفيلهارمونية، خسرنا معظم الموسيقيين الأوروبيين الذين كانت رواتبهم تراوح بين 2000 و2500 دولار، وكانت ممتازة بالنسبة إلى الأشخاص الآتين من رومانيا أو أرمينيا. لكنها صارت اليوم تعادل أقل من مئتي دولار، ولا يستطيع الموسيقي أن يدفع إيجار بيته بهذا المبلغ. معظم الذين غادروا تعلّقوا بلبنان، وكانوا يريدون البقاء ولكنهم اضطروا إلى المغادرة والبحث عن عمل في الخارج. وبالنسبة إلى الموسيقيين اللبنانيين، فالمشكلة كبيرة جداً لأن راتبهم لا يكفيهم ثمن البنزين أو الإنترنت. ما حصل كان مزعجاً للغاية. الدولة تعد ببدل نقل على سبيل المثال، وحتى يتم تأمين المال، ننتظر وقتاً طويلاً. وكذلك الحال بالنسبة إلى المساعدة الاجتماعية، والوضع بات شديد الصعوبة. خدمت في الفترة الأولى خمس سنوات، وأردت أن أرتاح من هذه المهمّة. كُلّف الأستاذ بسام سابا الذي وافته المنية بعد سنتين، واضطررت إلى العودة بعد وفاته إلى الإدارة. لكن كي أكون صريحاً بشكل أكبر، فعليّ القول إنّ تداول السلطة أمر جيّد. عندما كنت في منصبي في عام 2014، كنت مليئاً بالطاقة والحيوية، وفي عام 2020 لم أكن بالنفسية نفسها، فالوضع العام كان مختلفاً. وعلى الصعيد الشخصي، شعرت أنني لم أعد أملك الطاقة على صعيد الابتكار، ولا سيّما في ظلّ التحديات الصعبة الحالية، ففضّلت التنحّي وإعطاء المجال لغيري ليأتي بطاقة وأفكار جديدة. المشروع الصيني مستمر بشكل ممتاز، أقمنا في كانون الثاني (يناير) الماضي حفلة لوضع الحجر الأساس مع الوزير مرتضى والسفير الصيني. الصينيون يسيرون بالمشروع نحو خواتيمه، وهم يتحملون كلّ التكاليف كما يتحمّلون اليوم كلفة الموتورات والمازوت».
وعن عدم تعيينه بسبب طائفته، يجيب: «عندما كان عريجي وزيراً، قال لي سأجرّب أن أثبتك وسنحكي مع المطران الياس عودة ولم يحصل شيء. بعد ذلك، تسلّم غطاس خوري الوزارة وقال لي إنّه يريد تثبيتي، لكن علينا أن نرى الحال مع الأرثوذكس وماذا نعطيهم في المقابل، ولم يحصل شيء. لا يمكنني قول أي كلمة في هذا الإطار، أعتقد أننا نحلم بدولة عصرية حيث يصل صاحب الكفاءة من دون أن يمرّ بغربال الطوائف والمحاصصات. في كل الأحوال، فإنّ صلاحيات الأصيل أو المكلَّف لا تتغيّر كثيراً، عندما يكون الإنسان أصيلاً في موقعه يشعر بالأمان، إذ يعرف أنّه معيّن لفترة خمس سنوات. أمّا المكلّف، فهو لا يعرف متى يقول له الوزير شكراً لخدماتك، ربما بعد شهر يحصل هذا ويكلّف آخر». ويضيف: «المشكلة أننا لا يمكننا مواصلة التعليم أونلاين، لأنّ تعليم الموسيقى أونلاين أثبت فشله. قد ينجح في النظريات، لكن الآلات أصعب بكثير لأنّ هناك حاجة إلى التواصل المباشر، وعلى الأستاذ أن يسمع بشكل واضح، لا أن يكون هناك تقطيع في الصوت بسبب رداءة الإنترنت. وضعت معالي الوزير في صورة ما يحدث، وقلت له إنّه لا يمكننا الاستمرار أونلاين، وإنه من الأفضل أن نقفل المعهد بدلاً من ذلك. اليوم، التحدي الكبير هو كيف يمكن تأمين مبالغ للأساتذة الذين يتنقلون إلى أماكن بعيدة في المناطق. فالراتب يطير بسبب ارتفاع سعر البنزين، مشواران أو ثلاثة... المدارس والجامعات استطاعت تأمين تعليم حضوري، وعلينا تأمين وتجهيز المراكز، وبعضها يقع في الجبل وهي باردة، لذا يجب تأمين الكهرباء. من جهة أخرى، يجب تأمين مبالغ محقّة للأساتذة وهي غير متوافرة بسبب التقشف. منذ عشر سنوات ونحن نطالب بزيادة الموازنة فيقال لنا هذه سياسة التقشف من الدولة، ولا يمكننا زيادة قرش على الموازنة. هذا لا يجوز، الجميع يعرف نسبة الموازنة للثقافة وهي مهزلة. آمل أن تستطيع الرئيسة الجديدة للكونسرفتوار أن تؤمن مساعدات. جرّبت وطرقت أبواباً كثيرة لمساعدة الأوركسترا والأساتذة، لكن الأبواب مقفلة. التحديات كبيرة والوضع استثنائي، آمل أن نعود إلى حياة طبيعية وثقافية غنية كما كانت في السابق».

هبة القواس: مستعدّة للتحدّي
طُرح اسم هبة القواس لرئاسة الكونسرفتوار، لكنها رفضت أكثر من مرة، هي التي شغلت منصب أستاذة التأليف الموسيقي والغناء الأوبرالي في المعهد منذ عام 1995، إلى جانب مناصب عديدة في هذا المجال، فما السبب الذي دفعها إلى القبول بالتكليف في مرحلة تُعتبر الأسوأ في لبنان؟ تجيبنا: «الجواب يكمن في السؤال، كون المرحلة الحالية هي الأسوأ التي يمرّ فيها لبنان، اعتبرت الموضوع مهمةً وطنيةً. في السابق قبل مرحلة الرئيس ميشال سليمان وقبل وفاة الدكتور وليد غلمية، عُرض عليّ أكثر من مرة وشعرت أنّ المؤسسة تسير على ما يرام، وأسهمت في مرحلة الصعود من خلال موقعي في مجلس الإدارة وغيره. وعندما أصبحنا في زمن انهيار المؤسسات، شعرت أنّ كل ما أسهمت به في الماضي يتلاشى، فعدد من الموسيقيين في الأوركسترات غادروا لبنان، ولا كهرباء ولا ورق وينقصنا الكثير. وهذه ليست حال الكونسرفتوار فقط، بل هي حال كلّ الوزارات ومديريات ومؤسسات الدولة. المشكلة أننا لا نستطيع أن نطبّق على الموسيقى ما ينطبق على الوزارات التي قد تسيّر أعمالها من خلال منحها ساعتي كهرباء. قبلت بالتكليف كنوع من التحدي. نحن اللبنانيين مثل طائر الفينيق، ولدينا يقين بأننا عندما نريد أن نفعل شيئاً، نقوم به». لكن كيف ستنهض بالكونسرفتوار؟ تجيبنا: «لست أقول إنها مهمة سهلة، لكنني مصمّمة على النجاح. يمكنني اليوم أن أضع نفسي ومؤسساتي وعلاقات مؤسساتي في خدمة الكونسرفتوار».

(هيثم الموسوي)

هناك فرق بين التكليف والتعيين، فما هي صلاحيات القواس؟ «الصلاحيات هي نفسها، الفرق هل حين أكون مكلّفة، لديّ الإرادة لأعمل كأنني معيّنة. وعلى المستوى الشخصي، لا يهمني إذا كنت مكلّفة غير معيّنة، ما يهمني أن تنهض هذه المؤسسة، وأعرف أن مجلس الإدارة يعمل كعائلة بأعضائه الستة مع مفوّض حكومي، ومن الأمور التي ساعدتني داخل لبنان أنّ لدينا وزيراً محارباً ومؤمناً بالثقافة». يقال إنّ اسماً آخر كان مطروحاً لرئاسة الكونسرفتوار، وأنّ اسم القواس هبط بالمظلّة، فتجيبنا: «لا أعرف شيئاً عن الموضوع، نحن نتعامل مع ندرة الأمور وهي الموسيقى. وأحبّ أن يصل هذا الموضوع إلى جميع أركان الدولة ليس فقط بسب التعيين أو التكليف. الوزارات التي نريد أن نعمل معها ولا سيما في موضوع الموازنات، يجب أن تتمتع بالوعي إزاء واقع أنّه من النادر أن تجد موسيقياً موهوباً. غربلنا كثيراً لنصل إلى مَن هم موجودون في المعهد. ما يهمني أن يعرف الجميع ندرة الموسيقي، فكيف تقيسين عليه الطوائف والأديان والجنسيات وكل ما عدا ذلك؟ نحن في مكان لا يحتاج فقط إلى لبنانيين، بل بحاجة إلى استقدام خبراء وعازفين من الخارج. من أهم أدوار الموسيقى أنها تستطيع المساعدة من خلال دورها بأن تؤكد على صورة لبنان الحقيقية وهويته العابرة للحدود. أريد أن أعرف ما الذي تستطيع أن تقدّمه الدولة اللبنانية للنادر الذي سيمثّل لبنان وسيفتح طرقاً ويعبّدها، فنحن همزة وصل بين الشرق والغرب ورغم كل الصعوبات».
هل هناك قرار سياسي بمساعدة الكونسرفتوار؟ «لا أريد أن أجيب على السؤال، بل أن أقول إنّه حتى لو لم يكن هناك قرار، يمكننا صناعة القرار لمصلحة لبنان، لحضارته وهويته الحقيقية كي لا تتغيّر. حين تمرّ البلاد المهمة بحروب عالمية مدمية، تكون الشعوب تأخذ الإعاشة في الصف، بينما يكونون في طور إعادة إنشاء أوركستراتهم. هذا ما نعرفه ودرسناه في كتب التاريخ. هذا لا يعني أنهم حضاريون ونحن العكس، بل نحن حضاريون قبل الجميع. يجب مدّ تعاون مع مؤسسات أخرى وتبادل مع مؤسسات حكومية وأهلية وثقافية. من أهدافي فتح الموسيقى لكلّ قطاعات الثقافة. يجب أن يكون هناك تعاون يجمع الأطراف المختلفة في المشهد الثقافي والفني. لدينا طموح بالوصول إلى آخر قرية في لبنان لتلعب فيها الأوركسترا أو عازف من الكونسرفتوار. لدينا دور لنحسّن مناهجنا وأكاديميتنا.
رواتب الأساتذة باتت تعادل خمسين أو مئة دولار، وزملاؤهم الأجانب غادروا البلد

وفي المقابل، نريد أن نعزّز العلاقات والتعاونات الثقافية مع العالم والدول العربية، وأنا موجودة لأفتح مروحة علاقاتي وأرى مَن لديه مروحة علاقات، لأضع يدي في يده حتى نوسع الدائرة، من وزير الثقافة وصولاً إلى رئيس الوزراء. جميعهم سيكونون داعمين لفكرة الكونسرفتوار لأنّنا بحاجة إلى ما يمثله وما يستطيع القيام به. أرغب في أن تسافر الأوركسترا إلى كلّ العالم باسم لبنان. نحن لدينا انهيار اقتصادي ولكننا لسنا فقراء. لا أريد أن أطلب معونة وتبرعاً من الخارج، بل أريد أن أقدّم خدمات إن بالأكاديمية أو بالأوركسترات أو بالأبحاث، والعالم العربي يحب لبنان أحياناً أكثر من اللبنانيين أنفسهم. علينا أن نتعلّم كيف نحب لبنان، نحن بحاجة إلى إعادة تأهيل لأننا نحبه على طريقتنا، والمشكلة في الطريقة. لا شكّ عندي في أنّ هناك حباً سيُغدق علينا، وأنّ جميع دول العالم تتطلّع إلى لبنان كوجه حضاري، ويجب أن نكمل بجناحينا الشرقي والغربي، العربي والعالمي، نحن نعلّم الموسيقى الشرق عربية والموسيقى العالمية وكذلك الحال بالنسبة إلى الأوركسترات. الغرب يسعى أيضاً ليكون جزءاً من الموسيقى العالمية التي تعمّم حضارته وموسيقاه. ألا يمكننا أن نذهب إلى الغرب لتعليم موسيقى شرقية عربية في المقابل؟ بالطبع يمكننا، أليست لدينا جاليات لبنانية في العالم تحبّ لبنان؟ ألا يجب أن نتحرّك باتجاهها؟ بعد صدور قرار تكليفي، وصلتني العديد من الاتصالات المبشّرة بالخير من مؤسسات ودول عربية ومؤسسات عالمية وجاليات لبنانية وجهات دبلوماسية عالمية».

التعليم أونلاين أثبت فشله... وحاجة ماسة إلى المازوت والكهرباء وبدل التنقّلات


وعن أبرز العقبات التي تقف في وجهها، ترى القواس أنّ وضع لبنان برمّته مليء بالعقبات، والبداية تكون من التفكير في الموظفين والأساتذة. فـ«الأستاذ يجب أن يخضع لدورة تدريبية وعلينا تطوير المناهج. جميع الموسيقيين الأجانب غادروا، وعلينا أن نؤسس الأوركسترا الفيلهارمونية من جديد. لدينا 18 فرعاً و6000 طالب، ولدينا مصادر للحلول. والدكتور وليد مسلّم أحبّ المؤسسة كثيراً، لكنه استقال أو لنقل انتقل من كرسي إلى آخر ضمن العائلة الواحدة أي من رئاسة المجلس إلى عضوية المجلس. في النهاية، جميعنا عائلة واحدة، وتعاونّا في الماضي وسنتعاون في المرحلة الحالية. لم يتغيّر شيء، هو اختار الاستقالة بسبب الوضع الخانق. حين عرفت بخبر تكليفي، شعرت بآلام في المعدة، إذ إنّ شخصاً مثلي لديه ما يقوم به في العالم، يقف اليوم أمام هذه المسؤولية. كان عليّ أن أقبل المهمّة الصعبة لأننا لا نريد لهذه المؤسسة أن تقفل أبوابها. إذا ركّزت على السلبيات لن أعمل، وكأنني على ارتفاع ألف متر وأعبر من جهة إلى أخرى، فالأهم عدم النظر إلى الأسفل. لذلك سنضع أيدينا مع بعض لنشكّل حالة كاملة اسمها ثقافة وهوية لبنان ووجهه الحضاري الذي هو الموسيقى العابرة للحدود».



محطّات تاريخية
ـ  أُسِّس المعهد الموسيقي على يد وديع صبرا ملحّن النشيد الوطني اللبناني في عام 1925، ويُعدّ أقدم المؤسّسات التربوية في لبنان. تطوّر من معهد موسيقي إلى معهد وطني عالٍ للموسيقى.
ـ أعدت حكومة الرئيس الياس الهراوي في عام 1995مشروع قانون معجّلاً يرمي إلى إنشاء مؤسسة عامة تدعى «الكونسرفتوار الوطني العالي للموسيقى».
ـ تولّى رئاسة الكونسرفتوار من عام 1991 إلى عام 2011 الراحل وليد غلمية. وبعد وفاته تمّ تعيين حنا العميل في هذا المركز. وفي عام 2014 تمّ تكليف وليد مسلّم. وفي عام 2018 تسلّم الرئاسة بسام سابا ثم كُلّف مسلّم بعد وفاة سابا إلى أن قدّم مسلّم استقالته في عام 2022 وتسلّمت الرئاسة هبة القواس.
ـ أعضاء مجلس الإدارة الحاليون هم: هبة القواس، أمينة بري، وليد مسلّم، جمال أبو الحسن، عبده منذر، مريم غندور ومفوّض الحكومة نوال المكاري.
ـ فروع المعهد: سن الفيل، زقاق البلاط، مونو، جونيه، البترون، زغرتا، ضهور الشوير، عاليه، الشويفات، بعقلين، صيدا، بشري وسجن رومية تحت إشراف المعهد، وقيد الفتح راشيا وكفرقطرة، وهناك مشاريع في صور وبعلبك، ولا يمكن افتتاح المشاريع بسبب الموازنة وشحّ الأساتذة.
■ ■ ■

شربل روحانا: شو بيعرفني؟
كتب الموسيقي اللبناني شربل روحانا أول من أمس على صفحته الفايسبوكية: «ما زال يتقاضى بين 16 و 22 ألف ليرة لبنانية على الساعة التعليمية من دون أي ضمانات صحية واجتماعية تُذكر. كيف لأستاذ الموسيقى في المعهد أن يستمر بصقل إبداع طلابه؟ أتمنى أن نتوجه في السنة القادمة إلى المبنى الجديد للمعهد الوطني العالي للموسيقى بكل إمكاناته اللوجيستية المتطوّرة الذي يتم بناؤه وتجهيزه مجاناً من الألف إلى الياء من دولة الصين، مشكورةً... ونكون بكامل جهوزيتنا الإدارية الأكاديمية الفنية المعنوية والمادية لتسلّمه وتشغيله أو صيانته على الأقل. وفي حال لم نكن جاهزين، أخشى حينها أن نطلب من الإخوة الصينيين أن يكملوا معروفهم معنا ويحضروا الأساتذة وربما أيضاً الطلاب من الصين؟
«لا يضيع حق وراءه مطالب»، إلا في بلادنا حيث يضيع طالب وأم طالب وأبو طالب وكل من يطالب.
شو بيعرفني؟