بمبادرة من «النداء الإبداعيّ» التي تهتمّ برعاية الفنانين ذوي الاحتياجات الخاصة وتطوير مواهبهم، عُلّقت لثلاثة أيام أعمال هؤلاء الفنانين في «أوبرا غاليري» (بيروت) تحت عنوان «أرواح نابضة بالحياة» (vibrant Souls). معرض ليس كباقي المعارض للفنانين ذوي الشهرة العالمية الذين دأبت هذه الغاليري على تنظيمها، بل هو لفنانين لبنانيين ذوي موهبة رغم وضعهم الخاص. مبادرة هي الأولى من نوعها في لبنان والمنطقة، والفنانون المشاركون ينتمون إلى ثلاث جمعيّات لبنانية: «الجمعيّة اللبنانيّة للتوحّد»، مركز zvarnotz الذي يُعنى بإعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون اضطراباً سلوكيّاً، و«المدرسة اللبنانية للضرير والأصمّ».

‏عبّر الفنانون المشاركون باللوحة عمّا في دواخلهم، وهذا يكفينا لتسري في دواخلنا نحن زائري المعرض، قشعريرة ناتجة عن صدق وإحساس وقيمة فنّية مدهشة. فالحاجة الجسدية الخاصة لا تحجب الموهبة ولا تمنعها، بل قد تفضي إلى إبداع يعجز عنه الآخرون. ‏الألوان في أعمال الفنانين، وهم من أعمار مختلفة، ترفد الأشكال والأفكار والمضامين بالإحساس والتوازن، كأنّها تعكس نظرة طفولية بريئة تجذب إلى عفويتها وصدقها. تجربة جميلة، مفعمة بالمشاعر، والفرق بين عمل وآخر ورسّام وآخر يكاد يكون طفيفاً، إذ تتماثل المشاعر وتتّحد الغايات النبيلة التي تصبّ في الدعوة إلى الفرح والسلام والمحبّة.
الفكرة انطلقت بها المسؤولة عن «أوبرا غاليري» سلوى شلهوب إثر اكتشافها أعمال أولئك الفتية والشبّان وإعجابها بها، فلم تتردّد في تخصيص معرض لهم. تقول: «ذُهلت بما رأيت من إبداع في أعمالهم، حتّى أن نصف هذه الأعمال بيع قبل افتتاح المعرض وعقب نشر الدعوة إليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي». اختير الفنانون من مختلف المناطق اللبنانية وتابعوا ورشة تدريبيّة مجانية أشرف عليها محترفون في مجال الفنون التشكيلية، ومُنحوا الأدوات والمواد اللازمة مجاناً.
قيمة فنية مدهشة لدى هؤلاء الشبان ذوي الاحتياجات الخاصة


خرج المرء من هذا المعرض بشعور خاص لا يضاهيه أي شعور آخر في معارض احترافية، هو مزيج من الدهشة والبهجة أمام الأعمال المعلّقة والإحساس العارم بالصدق التامّ والخالي من أي تصنّع أو افتعال أو ادّعاء فنّي، فضلاً عن التقدير الذي تستحقّه الغاليري والقيّمون عليها لمبادرتهم الفريدة وإنسانيّتهم المميّزة التي تجانب التمييز وتنحني للجميل والمبدع، أنّى كان مصدره وصانعه.