قرّرت المخرجة السورية لارا أيلو نقل نص الإيطالي داريو فو «امرأة وحيدة» (1977)، الذي كتبه إلى جانب زوجته فرانكا راما. وسط جو مسرحي تجريبي، سنشاهد كارول عبود تؤدي النصّ في «حفلة موسيقية لامرأة وحيدة» (تمثيل عامر فياض ـــ أداء وتأليف موسيقي: رالف عسراوي) في KED في بيروت. يروي العرض حكاية امرأة، وغربتها النفسية والروحية والجسدية، ووحدتها، ضمن فضاءين منفصلين، أو عرضين متوازيين. في الطابق السفلي، تُقدم المسرحية، وفي الطابق العلوي، يتم تقديم الحفلة الموسيقية. ولدى المتفرجين، حق المشاركة في واحدة منهما فقط. ينطلق العرضان سوياً، ولدى المشاهد حق اختيار الشكل الذي يريد أن تروى له فيه الحكاية. تقول لارا أيلو (خرّيجة قسم المسرح في الجامعة اللبنانية) التي تدرس حالياً الماجستير في ألمانيا، بأن حياتها في بيروت وعملها مع منظمات تُعنى بتمكين النساء، كانا مصدر إلهام للشروع في تنفيذ عمل مسرحي تجريبي حول المرأة، «خارج النمطيات التي ملّها الجمهور». النص المونودرامي، الأصلي، تم تفكيكه، وإعادة بنائه، وتحليله دراماتورجياً، حسب استجابات الجمهور. حتى إنه تمت إضافة شخصية أخرى، بعدما كانت الشخصية الأساسية وحيدة في النص. «المرأة في هذا العرض، لا تثير الشفقة، بل تكرس رحلة النساء اللواتي ألحق بهن المجتمع أضراراً، على مستويات عديدة». حول لعبة فصل العرض المسرحي في الطابق السفلي، عن العرض الموسيقي في الطابق العلوي، تؤكد المخرجة أنّ «ذلك يشبه لعبة الحياة، وخياراتها المتعددة. كلٌّ منا عليه اختيار التجربة... أو الرحلة التي يريدها». لكن ذلك لا يلغي أن العرض يأتي في إطار واحد، وغير منفصل.
بالعودة إلى نص داريو فو الأصلي، تعيش امرأة، داخل منزلها الأشبه بالسجن. تمارس مهامها اليومية، تعتني بطفلها، ترعى شقيق زوجها المنحرف، تتعامل مع المكالمات الهاتفية القذرة، تتقاتل مع عشيقها الذي «حلّقت معه إلى قمة العالم». وبينما تتحدث إلى أحد الجيران الجدد، وتكشف عما في داخلها من تخبطات، تدرك أن لديها خياراً لتريح نفسها المعذبة، عن طريق الانتحار. فهل ستفعل ذلك؟ داريو فو، الذي يستخدم الكوميديا «ديلارتي» أو الأساليب الإيطالية التقليدية للتهريج، لصنع مسرح سياسي ساخر ومضحك، بشكل قاتم، ينسج في «امرأة وحيدة»، القضايا التاريخية والدينية والاجتماعية الكبرى، لتكون لديه قدرة على تأسيس اتصال حميمي مع الجمهور، عبر توريط جمهوره، أو قرائه، في الإحساس بالسخط ضد الظلم، من خلال التسلية. كل هذه البنية الدرامية، أعادت لارا أيلو، تفكيكها وتحليلها، في إطار دراماتورجيا ورؤية إخراجية مغايرتين للنص تحت إطار المسرح التجريبي. الهدف من ذلك هو إعادة اكتشاف وبناء العلاقة مع المتلقّين.
يشتاق رواد المسرح في بيروت إلى كارول عبود. بعد غياب أكثر من سنتين، تعود الممثلة اللبنانية التي عملت مع مخرجين كبار للمشاركة في «حفلة موسيقية لامرأة وحيدة». تقول لنا إنّها ليست مشاركتها الأولى مع مخرجين مسرحيين وسينمائيين صاعدين. تعوّل عبود على هذه الأجيال، بحكم أنّها مستقبل المهنة. «أنا على يقين وإيمان تام، بأن هؤلاء الشباب الذين يحاولون تقديم أعمال بكل حماس وإصرار، هم مخرجو المستقبل الذين نراهن عليهم».
تقدم عبود، شخصية معقّدة، إذ كان داريو وفرانكا يطرحان من خلالها قضية الحركة النسوية في السبعينيات في إيطاليا. تشدّد عبود على أنّ أكثر ما يهمها في العمل، هو الرؤية الإخراجية، وطريقة المعالجة الدرامية للمضمون المطروح. وتعتبر أن الشخصية الرئيسية، لا تتقاطع مع شخصيتها من حيث الدوافع والظروف، إلا أنها قد تشبه الكثير من النساء الموجودات في عالمنا العربي. وأبرز ما تقاطع معها في العمل هو طريقة طرح قضية المرأة، البعيدة تماماً عن الكليشهات السائدة في الآونة الأخيرة، التي تصوّر دوماً «المرأة ضحيةً، والرجل أشبه بجلاد». تبدو كارول غير موافقة على تقديم صورة المرأة، واستغلالها، وإثارة الشفقة عليها من خلال الأعمال المسرحية، وهذا ما سيتم تقديمه خلال العرض.
بعيداً عن العمل الراهن، تبدو عبود متشائمة من واقع المسرح ليس في لبنان فحسب، بل في المنطقة كلها. «أقدر الجهود الفردية التي تُبذل دائماً رغم الظروف الاقتصادية، والسياسية، والنفسية الصعبة التي يمرّ بها لبنان. لكن إذا أردنا الحديث بموضوعية عن واقع المسرح، فهناك تعقيدات كثيرة تتطلب حلولاً جذرية، وخططاً من قبل مؤسسات الدولة».

«حفلة موسيقية لامرأة وحيدة»: 5، 6، و7 آب (أغسطس) ـــــ س:20:00 مساءً ـــــ KED (الكرنتينا ـــ بيروت)، الدخول مجاني، الحجز ضروري عبر روابط «مكتبة أنطوان».