«الشجرات كانت صديقاتي، زمن الطفولة» تقول لنا ندى متى، باسمةً بإطلالتها الملوّنة في «غاليري آرت سكوبس» (القنطاري)، ولوحاتها التي تضمّ 14 غابة ضخمة منحتها عنوان «يقظة الحواس»، محتفيةً بسحر جنّاتها العملاقة التي تسقيها من حبرها وملوناتها. لوحات مشغولة برقّة ورهافة إحساس مدهشة. ترسم أشجار الصنوبر في لبنان، كأنّ الناظر إليها يبصرها بعدسة عين السمكة (fish eye)، ما يرتّب رفع العينين إلى أعلى لرؤية الأشجار المرتفعة، ترميزاً للوطن تارةً وللعلم اللبناني طوراً. علوٌ ورفعة تعانقهما أجساد بشريّة بحميمية. أشجار ونباتات في بيئة طبيعية خصبة تحثّ على التعلّق بالأرض. شجرات قريبة وأخرى بعيدة، بالألوان أو بالأسود والأبيض. الجمال ليس بعيداً. إنّه في متناول العين والقلب. في لوحات ندى متى، يمكن أن نصغي إلى همس الطبيعة ونرى الشجرة في حالة تأمّل داخل غابة كثيفة الورق والألوان المنعشة، بالحبر والأكريليك.

«يراعات» (مواد مختلفة على ورق على كانفاس ــــ 135 × 85 سنتم ــــ 2019)

أسلوب ندى الحرّ يعانق السماء، يحاور الطبيعة وزهورها وأشجارها. أمّا الفرق الذي يسعنا أن نلحظه بين أسلوبها وأسلوب صينيّ لعلّه يمثّل مرجعاً تشكيليّاً مؤثراً لها، فهو أنّ الفن الصيني المشابه يتمحور حول تفاؤل الإنسان مع الطبيعة وتدخّله فيها، بينما تنطلق ندى من الطبيعة البكر لتطوير مهاراتها التصويريّة. يتجلّى ذلك في حركة تفاعلها مع عناصر تلك الطبيعة أوراقاً وأشجاراً وأزهاراً. تبحث عن نقاط انسجام وتناغم معها، معتمدةً الحبر للأغصان، والألوان للأزهار التي تُعيد تشكيلها بألوانها الزيتيّة.
تتجاوز خطوط رسومها السوداء تقنية المسودة (أو «الكروكي») إلى اللوحة القائمة بذاتها من خلال الدرجات اللونيّة التي تظلّلها أحياناً رماديّات الحبر، خدمةً لضبابيّة في طبيعة الجبال والسحب. علماً أنّ الرسم بالحبر الصينيّ ‏من أقدم الفنون التي حافظت على حضورها المستمّر عالميّاً، فالصين اشتهرت بفن الرسم بالحبر والألوان المائية، ولمشاهير الرسّامين في الصين لوحات بالحبر الصينيّ، وبخاصة للطبيعة بخطوط سوداء حادّة وألوان مائيّة ماثلة
بقوّة.
لوحات مشغولة برقّة ورهافة إحساس مدهشة


في أحلك أيّامنا، تأتينا ندى متى بألوانها لتهبنا جرعةً قلبيّة من الحبور لتقوى على التمسّك بحب الحياة. ولا غرابة في ذلك طالما أنّها تتعامل فنّياً مع كتب الأطفال رسماً وتأليفاً بعد دراسة تابعتها في هذا المجال في ATEP لفنون وتقنيات بيئة الإعلان في باريس. كما تابعت دروساً في الرقص مع فرنسواز وآلان شانترين. لكنّها عادت إلى لبنان بعد مرحلة من الدراسة لتقيم معارض عديدة في بيروت، ومن ثمّ في باريس. ترمي ندى إلى «مشاركة ما هو أصيل في داخلي، والصراخ بأن الحياة أقوى من أي شيء» بحسب تعبيرها. تودّ الردّ بمعرضها على المحن بمزيد من الأمل والصبر والانفتاح، فـ «الأرض أمّ مالحة» تقول.

«يقظة الحواس»: حتى اليوم ـــ «غاليري آرت سكوبس» (القنطاري) ــ للاستعلام: 01/345011