كثيرةٌ هي الفضائيات، لكنّ قلّة منها مشغولة بالإضاءة على الحقيقة. قبل أيام، أعلن عن قرب إطلاق فضائية تسمّى «الفلسطينية» على الانترنت في ذكرى اغتيال الشهيد غسان كنفاني. يُشير أحد «صنّاع» هذه التجربة ممن فضّل عدم الإفصاح عن هويته؛ أنَّ «السبب في اختيار ذكرى غسان كنفاني للإعلان عن هذا الجهد، ليس لرمزية ودلالة الذكرى وأهميتها فحسب، بل أيضاً للتأكيد على المدرسة الثورية التي تنتمي إليها المجموعة العاملة في هذه الشبكة الإعلامية الجديدة. فمدرسة كنفاني تتجاوز شخصاً أو مثقفاً، إنّها مدرسة في السياسة والأدب والإعلام أيضاً، وما يمكن أن نسميه مدرسة الواقعية الثورية». تنطلق الفضائية رسمياً يوم 29 تشرين الأوّل (أكتوبر) المقبل، لتنقل مسيرات العودة. وفق المسؤولين، يأتي توقيت الإطلاق نظراً إلى «رمزية ودلالة الذكرى وأهميتها، فضلاً عن التأكيد على المدرسة الثورية التي تنتمي إليها المجموعة العاملة في الفضائية، والجهة التي تقف خلفها».
يعلن القائمون على الفضائية بأنّها تنتمي إلى مدرسة غسان كنفاني وما يمكن أن نسميه «الواقعية الثوريّة»

بطبيعة الحال؛ تُشير مصادر عدة إلى أنَّ الفضائية (مديرها التنفيذي الفلسطيني رمزي فاروق المقيم في الولايات المتحدة) قريبة من «حركة المسار الفلسطيني الثوري البديل». لكن ماذا عن السؤال الأهم والأوّل، أي التمويل؟ إذ يحضر التمويل كعنصر رئيس لنجاح أي عمل، إضافة إلى أنَّ التمويل يحتّم توجهات الفضائية ويحكمه. يشير المصدر إلى أنَّ ««الفلسطينية» شبكة إعلامية باللغتين الإنكليزية والعربية، متواضعة جداً في إمكاناتها وتعتمد بدرجة أساسية على دور الكادر المشارك في هذا الجهد وعلى إيمانه بالرسالة الإعلامية والثقافية والسياسية التي نريد نقلها إلى العالم في مواجهة خطاب الصهيونية وإعلامها العنصري والمعادي». ويُشير المصدر إلى أنَّ «طاقم «الفلسطينية» يجب أن يكون موجوداً بين الناس ينقل صوتهم باللغات التي يتحدّثها الفلسطينيون». إذاً لماذا «الفلسطينية»؟ ولماذا الآن؟ يؤكد المصدر الذي هو أحد مؤسّسي هذه التجربة الإعلامية وهو المناضل القديم: «كما تعلمون، فنضال الشعب الفلسطيني يتعرّض باستمرار إلى منظومة من التشويه والتخريب بسبب وجود إعلام قوي ومعاد تتحكم به الشركات والدول والحركة الصهيونية، وليس القصد مجاراة هذا الإعلام القوي، خصوصاً ما تنتجه وسائل الإعلام الأميركية والغربية، بقدر ما نريد كشف وفضح الإعلام المعادي وتقديم الرواية الفلسطينية والعربية. كتب ادوارد سعيد وآخرون عن ضرورة أن يمتلك العرب إعلامهم القائم على الحقائق وغير المفصول عن السياسة والقدرة على التأثير، والمسألة لم تكن يوماً في قلة الإمكانات العربية، بل في انعدام الإرادة السياسية».
تنطلق الفضائية رسمياً في 29 تشرين الأوّل (أكتوبر) لتنقل مسيرات العودة


ستركّز «الفلسطينية» على «مخاطبة الرأي العام الغربي»، لكن ليس على طريقة قنوات التلفزة العربية، بل من خلال «نقل الرواية الفلسطينية التاريخية إلى العالم بصوت الفلسطينيين أنفسهم، وعدم تجاهل اليومي والشأن الجاري في حركة ونضال الفلسطينيين من أجل تحرير وطنهم والعودة والحرية».
وماذا عن علاقة الشبكة بحركات المقاومة في المنطقة؟ «ستكون القناة صوتاً لحركات المقاومة في المنطقة، تنقل وتشرح للرأي العام مواقف «حزب الله» و«الجهاد» و«الجبهة الشعبية» و«حماس» وحركات شعبية عربية تقاوم التطبيع وترفض الهزيمة أو التسويات مع الكيان الصهيوني من خلال حضور هذا الصوت عبر ممثليه. كما ستشارك في بناء حركة المقاطعة وعزل الكيان الصهيوني وعدم فصل دورها الإعلامي عن دورها السياسي وارتباطها بحركة النضال الوطني التحرّري للشعب الفلسطيني».
وقد اختارت «الفلسطينية» شعاراً لها هو «من النهر إلى البحر... إلى العالم»، وهو الشعار الأبرز للثورة الفلسطينية إبّان انطلاقتها. وإذ يعتبر هذا الشعار «الرومانسي» جزءاً من نضالات الشعب الفلسطيني بعيداً عن «التنازلات» التي قدّمتها الحلول التفاوضية، تأتي «الفلسطينية» لـ«تعكس تعدّدية الشعب الفلسطيني كما هو في الواقع، تنقل هموم تجمّعاته الشعبية في الوطن والشتات بوصفه شعباً واحداً له أرض واحدة هي فلسطين، ولذلك اخترنا شعار «من النهر إلى البحر.. إلى العالم» كشعار للشبكة».
باختصار؛ هي تجربة يحاول القائمون عليها أن تكون مختلفةً بعيدةً عن المعتاد والتكرار. تجربة تحاول أن تقول ما لا تستطيع -أو لا تريد- الفضائيات العربية الممولة حكومياً أو المملوكة من قبل شركاتٍ موجّهة قوله. «الفلسطينية» محاولةٌ مختلفة، تريد أن تكون تجربةً سبّاقة على طريقتها، وإن بقيت على ذات الثوابت النضالية الأصلية.