في معرضها الجديد «رحلة مواطن كونيّ» الذي تحتضنه غاليري Art on 56 حتى نهاية الشهر الحالي، تشكّل السعادة والجمال ‏والأمل، بوّابات لتأمّلات ذاتيّة وعوالم ملوّنة تتقاطع عند الذاكرة والخيال لدى هدى بعلبكي (مواليد 1968). ‏تطمح الفنانة اللبنانية إلى بلوغ جوهر الحياة رسماً، لكن ضمن عالم متّشح بالخوف واللااستقرار بسبب الوباء العالمي المنتشر، مسخّرة ملوانتها لسرديّة مختلفة تطبعها الخطوط الطفوليّة والألوان السميكة المشبعة.
«البيت المهجور» (موادّ مختلفة على كانفاس ـــــ 120 × 170 سنتم ــــ 2022)

ويدخل البشر ‏إلى لوحاتها عنصراً منتمياً إلى الطبيعة نفسها. بعض النساء يشبهنها، والرجال ـــ إن حضروا ـــ هم أيضاً مثلهنّ، إنّما للطبيعة «البطولة المطلقة» (أشجارٌ معمّرة ونباتات وحشية مع تلال ومنحدرات) في لوحات تذكّرنا برسوم الأطفال لنواحي بساطة اللون والخطوط المختزلة جداً. وتجهد في تدوين اللحظة وتثبيتها باللون والضوء والحركة لبناء تشكيليّ عنوانه الانفعال. تعيد صوغ الواقع بمسحة زخرفية وبساطة تكوين وتلقائيّة معالجة وتشكيل.
بيد أنّ تقنيات هدى بعلبكي تتراكم كمّاً عند مستوى واحد يعكس شخصيتها، فلوحاتها بين هدوء وتوهّج وضربات فرشاة عصبيّة. ثمة رتابة لونيّة طاغية في مقابل حيويّة لونيّة في بعض اللوحات. نزعتها طبيعيّة تجريديّة تخترقها وجوه ترفد المنظر الطبيعيّ القائم على تفاصيل وجزئيّات وأنوار وظلال تلهمها الطبيعة ذاتها. وترى بعلبكي «أنّ على الفنان أن يجلس ويحاور اللون الحسّاس والشفّاف كمرآة حقيقيّة».
تذكّرنا الأعمال برسوم الأطفال لجهة بساطة اللون واختزال الخطوط


‏تحتفي لوحات الفنانة اللبنانية بالطبيعة والجمال، واضعةً اللون في خدمتها، ومحرّرةً مخيّلتها التي تحرّر فرشاتها لإنتاج تشكيلات مجرّدة ومعبّرة. مناظرها الطبيعيّة متحرّكة تنبض حياةً. أزهار، أشجار، منازل، تبني بها هويّة وذاكرة. ديناميّة الضربات اللونيّة منبعثة من «سيولة» بصريّة وملوانة طاغية نعثر على ما يماثلها لدى ماتيس.
هدى بعلبكي التي تابعت اختصاصها في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، عام 1995، تسقط تجاربها بين واقع وخيال وعاطفة في لوحتها، لتحوّلها إلى ذاكرة بصريّة خاصّة ذات لمسة ذاتيّة.

* رحلة مواطن كونيّ» حتى 30 حزيران (يونيو) ـــــ غاليري Art on 56 (الجميزة ـ بيروت) ـ للاستعلام: 01/570331