المسرحية (أداء جوزيف عقيقي، سارة عبدو، حمزة أبيض يزبك، ريان نيحاوي، ربيع عبدو، وماريا دويهي)، تغلب عليها الصبغة الواقعية، خصوصاً أنّ كارولين حاتم، أستاذة الكوريغرافيا والرقص المعاصر في الجامعة اللبنانية، تنتهج في عملها مع الممثلات والممثلين، معايير خاصة في إعداد الممثل، أقرب إلى منهج ستانيسلافسكي الإبداعي، لتجعل الشخصيات واقعية، حيّة، ديناميكية، تتكلم باللهجة المحكية. في سياق متصل بالشخصيات في «العادلون»، تقول كارولين إنّ «هذه الكاركتيرات ربما تنتمي لليسار. هي ليست شيوعية، ولا دينية متطرفة، بل قريبة إلى الشباب الذين تُصادفهم في تعليمها الأكاديمي، والذين لا يملكون سوى التضحية بأنفسهم، لتخليص العالم من الظلم والاضطهاد».
يتوسّط المسرح ديكور فقير، يوحي بالتعب والنضال الذي يحيط بفضاء الشخصيات
على مستوى الإخراج المسرحي، وقع الخيار على سينوغرافيا مينيمالية. يتوسط المسرح ديكور فقير، يوحي بالتعب والنضال الذي يُحيط بفضاء الشخصيات. الكل يسعى للخروج من هذه الأمكنة الضيقة والمظلمة، ويتوق للحرية المطلقة. أربعة عواميد تضعها حاتم على المسرح، استناداً إلى إحدى أساطير الديانة اليهودية التي تقول بأنّ «العالم يقوم على أربعة عواميد، يحملها ستة وثلاثون شخصاً عادلاً، إذا ما توفي أحدهم، على أي شخص أن يحل مكانه». الميثولوجيا هذه، تدعم نص «العادلون»، ولا تلغي بدورها حقيقة أن الإخراج يندرج تحت إطار الواقعية الكلاسيكية. لا تقف الأساطير في رؤيا حاتم الإخراجية عند هذا الحدّ، بل تقرن بطلة التراجيديا الإغريقية أنتيغونا، مع شخصية «نصري» (جوزيف عقيقي) التي تتوق للتضحية خدمةً للقيم الإنسانية، وعدم التنازل عن المبادئ. وتأتي موسيقى الرابر اللبناني جعفر الطفار، بكل ما تحمله من ثورة، وجنون، واضطراب، لتخرق أجساد الممثلين من جهة، وتقلق كيان المتفرج من جهة ثانية. تُدخل الطرفين في لعبة الثورة، وتجعلهما وحدةً متماسكة ومتصلة. ما يرونه على المسرح، عاشوه من قبل، على الأرجح. خيار موسيقي يدعم أفكار المخرجة اللبنانية. كأن الموسيقى تنبئ المتفرج، المستريح في مقعده، بضرورة التحرّك، نحو «الشمس» والاتحاد معها، كما يؤمن «نصري» الذي لا تتبدد مخاوفه، ولا يمل الصراخ في وجه الاستبداد، والحرمان.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، تقول كارولين حاتم بأنَّه من المقرر أن تجول «العادلون» على معظم المناطق اللبنانية المهمشة والمحرومة، في خطوة تسعى من خلالها، إلى تحقيق ما وضعته في منظمتها «يزن». فهذه الأخيرة تهدف إلى إنتاج الأعمال الفنية المسرحية وفنون الأداء، بما يعزّز اللامركزية الثقافية. «لا يجب أن يبقى المسرح داخل بيروت، بل يجب أن يطوف في كل البلدات المحرومة» تقول لنا كارولين، آملة أن يطوف نصّ ألبير كامو، الذي يكرّس معاني الحرية، على مختلف المناطق اللبنانية.
«العادلون»: س:20:30 مساءً لغاية 29 أيار (مايو) ــــ ومن 3 حتى 5 حزيران (يونيو) ــــ «مسرح مونو» (الأشرفية ـ بيروت) ـــــ للاستعلام: 70/789906