رحيل الشاعر مظفر النوّاب (1934-2022) كان الحدث الأبرز على صفحات التواصل الاجتماعي، خصوصاً الفايسبوك الأكثر استعمالاً من قبل التونسيين الذين مثّل لهم الشاعر مظفر النوّاب صوت الغضب والاحتجاج وادانة الأنظمة العربية والدفاع عن فلسطين التي يحفظ عدد كبير من طلبة السبعينات والثمانينات خاصة قصيدته الشهيرة «القدس عروس عروبتكم»، وكذلك قصيدة «عبدالله الارهابي». ورغم أن مظفر النواب كان شبه ممنوع من التداول ولم يشارك في أي تظاهرة شعرية في تونس خلافاً لمحمود درويش وسميح القاسم وعبدالوهاب البياتي، إلا أنّه كان الأكثر حضوراً في الأوساط الطلابية والنقابية وبين اليساريين والقوميين. وكان الطلبة يتبادلون أشرطة الكاسيت بصوته قبل أن يظهر اليوتيوب وغيره. وكانت هذه الأشرطة تصل من دمشق وطرابلس الغرب يحملها الطلبة الذين يدرسون في الجامعة السورية أو العمال التونسيون في ليبيا وكان الحصول على أشرطة مظفر النوّاب يشبه الحصول على كنز أو هدية عالية القيمة.
والمرّات القليلة التي زار فيها النوّاب تونس كزيارات معلنة كانت بدعوة من أوساط نقابية أو حقوقية سواء في العاصمة أو مدينة صفاقس وأول زيارة كانت في ربيع 1988 في مناسبة «المؤتمر الثامن عشر الاستثنائي» لـ «الاتحاد العام لطلبة تونس» بعد الانفتاح السياسي الذي عرفته البلاد في الأيام الأولى لنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي (1987-2011). إذ سمح آنذاك بتنظيم مؤتمر أتحاد الطلبة المعطّل منذ 1972بعد رفض أنصار النظام من الطلبة وقتها نتائج الانتخابات التي كانت لحساب طلبة اليسار. في هذا المؤتمر قرأ النواب الشعر في كلية الحقوق في تونس أمام الآلاف من الطلبة الذين لم يصدّقوا أنهم يستمعون للشاعر الذي كان بالنسبة لهم أشبه بالأسطورة.
ورغم عدم حضوره «الرسمي» في التظاهرات الشعرية والأدبية وعدم توافر كتبه في معارض الكتاب كانت قصائده الأكثر حضوراً بين طلبة الثمانينات والسبعينات كما ربطته علاقة وطيدة مع الشاعر علي لسود المرزوقي المصنّف كصوت للمقاومة الشعرية وجمعتهما أمسيات شعرية بين سوريا وطرابلس الغرب ومدن فرنسية بين أوساط المهاجرين.
فرحيل مظفّر النوّاب بعدما قتلته الشائعات أكثر من مرّة في السّابق، كان بالنسبة لكثير من التونسيين إعلان نهاية حقبة «الصمود والتصدي» و«المقاومة» التي كان النوّاب صوتها الشعري غير الرسمي. فقد كان مغضوباً عليه من كل الأنظمة العربية باستثناء تلك التي كانت منخرطة في جبهة «الصمود والتصدي»، زمن حلم تحرير فلسطين وقبل تصفية ثقافة المقاومة.
مظفّر النوّاب كان استثناء في حياته وشعره، وهو آخر الشعراء الكبار بعدما غيّب الموت تباعاً قباني والبياتي ودرويش وسعدي يوسف.