‏نحو خمسة أعوام مرّت على مشاركة لبنان في المعرض العالمي للفن المعاصر المعروف بـ «بينالي البندقية» في دورته التاسعة والخمسين (لغاية 27 تشرين الثاني/ نوفمبر ) تحت عنوان «العالم على صورة الإنسان». البينالي يقام كل سنتين في مدينة البندقية الإيطالية، ترعى المشاركة فيه محلّياً وزارة الثقافة و«الجمعية اللبنانية للفنون المعاصرة» اللتان اختارتا المخرجة دانييل عربيد، والتشكيلي أيمن بعلبكي لقدرتهما على «إبراز تنوّع الفن اللبناني وثرائه»، ما يجعله فريداً، يمثِّل لبنان عبر فنانين مقيمين أو منتشرين في العالم، فيما تولّت سينوغرافيا الجناح المعمارية ألين أسمر دميان من مؤسّسة Culture in Architecture.
من فيديو دانييل عربيد

انطلق «بينالي البندقية» عام 1895 لتقديم الفنون التشكيلية المعاصرة الوافدة إلى المدينة الإيطالية من سائر أنحاء العالم بين رسم ونقش وتصميم ونحت وموسيقى ورقص، مستقطباً الفنانين وجامعي التحف وجميع المهتمّين باكتشاف الاتجاهات الفنية الحديثة. يحضر لبنان في قاعات عرض l’Arsenal de Venise المبنى المصنّف مَعْلَماً تاريخياً، واختار كلٌّ من عربيد وبعلبكي الحضارة المتعددة المعاني موضوعاً للإبداع والتأمّل، بين الافتراضيّ والواقعيّ اللذين يستلهمهما الفنانان من الحياة في بيروت، فالتحوّلات التي طرأت عليها وتركت تأثيرها جعلتها مكاناً مشتركاً للإنسانية جمعاء.
المكلّفة من قبل وزارة الثقافة وأمينة التراث والمفوّضة العامة للجناح في البينالي ندى غندور، توضح: «هذا المشروع بمثابة دعوة إلى رحلة رمزية في عالمنا المعاصر، بفضل موضوع ومدينة وفنانين»، مشيرة إلى «أنّ الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عصفت بلبنان منذ نهاية 2019، غير مسبوقة، وسيردّد مبنى الأرسنال في البينالي صداها عبر أعمال الفنانَين اللذين اختيرا».

من تجهيز أيمن بعلبكي

يقدّم أيمن بعلبكي (مواليد بيروت ــــ 1975) تجهيزاً ضخماً بعنوان Janus gate، موضحاً عنه: «بيروت كانت نقطة انطلاقي. أراها مدينة غنيّة تبعاً لرؤية ميشال فوكو في «الأماكن الأخرى». «اللبننة» مقصود بها وصف تجزئة الدولة، بينما تحدّد «البَيْرتة» مدينة بيروت التي عانت خطوط التماس والمتاريس بين المناطق، أي التفتيت الحضري وتقسيمها جزراً منفصلة. وهناك الإله الروماني ذو الوجهين، أحدهما ينظر إلى الداخل والآخر إلى الخارج، أي إلى الماضي والمستقبل، بنيتُ هيكلاً فيه مساحتان، مساحة خارجية مشعّة، ومساحة داخلية مماثلة لمختلف الأحياء الفقيرة في العالم، أو تمثّل صورة شبه خالية لتلك الأحياء الفقيرة». فيديو دانييل عربيد (مواليد بيروت ـــ 1970) التي تعمل في مجالَي السينما الروائية والتسجيلية، يحمل عنوان «ألو حبيبي» (Allo chérie) وتصفه بأنه ينطلق من شخصية والدتها التي تمثّل صورة البلد لناحيتَي حب المجازفة والاندفاع للحياة. المدينة يطغى عليها السباق المحموم لكسب المال. تجول كاميرا عربيد في بيروت التي تضمر عنفاً مسيطراً على لبنان اليوم، وهو عنف عرفته بلدان أخرى.
البعد السياسي في العملين يُفسّر على ضوء الواقع اللبناني الراهن


البعد السياسي في هذين العملين يُفسّر على ضوء الواقع اللبناني الراهن، فالتنافس محموم على جني المال بالعنف المحتدم. رغم أزماتنا، فإنّ حضور لبنان في البندقية، يهبه مكانةً خاصةً ويسلّط الضوء على الثقافة اللبنانية وفنوننا المعاصرة الثريّة بتنوّعها. وليست المرة الأولى التي تتميز فيها المشاركة اللبنانية في البينالي، إذ سبق أن نال لبنان جوائز في البندقية وفي تظاهرات أخرى عالمية مماثلة في أهميتها مع فنانين نذكر منهم حسن جوني، لور غريب، غريتا نوفل، ريتا عون وغيرهم.