بعد انحسار كورونا للأسباب العديدة التي نعرفها خفّت وتيرة غياب الشخصيات الكبيرة في عالم الموسيقى بسببه، بعدما توالت أسماء الراحلين في الأشهر الأولى من الوباء. لكن للموت مسبّبات كثيرة أخرى، وها هو يسدد ضربة مزدوجة موجعة إلى عالم البيانو الكلاسيكي، إذ خطف بشكل شبه متزامن (بفارق يوم واحد) عملاقاً من جيل المخضرمين ونجماً في أوج مسيرته الفنية. الأول هو الروماني الكبير رادو لوبّو (1945) الذي يعدّ رحيله سقوطاً لآخر الأعمدة الأساسية الثلاثة في بلده، بعد الرحيل المبكر للأسطورة الشاب دينو ليباتي عام 1950 ثم الرحيل المؤلم (لسبب تافه) للرمز النسائي في عالم البيانو العملاقة كلارا هاسكل بعده بعشر سنوات. لوبّو كان يعاني من مرضٍ عضال، انكفأ عن الساحة في السنوات الأخيرة، لكن ما أنجزه خلال نصف قرنٍ من مسيرته، بالأخص بين السبعينيات والتسعينيات، سيبقى خالداً. حصر أسد البيانو (لقبه نسبةً لشكله الخارجي وسطوة أدائه) اهتمامه بشكل شبه كامل بالريبرتوار الرومنطيقي، لكنّ إنجازه الأكبر صنعه في أعمال شوبرت للبيانو، التي سجّل أبرزها، بالإضافة إلى تعريجه قليلاً على موزار من الحقبة الكلاسيكية، بالأخص التسجيلات التي جمعته بعملاق آخر هو موراي بيرايا في أعمال المؤلف النمساوي التي تتطلب آلتَي أو عازفَي بيانو.من جهة أخرى، وفي ضربة لئيمة ولو لم تكن مفاجئة، خطف الموت عازف البيانو الأميركي نيكولاس أنغيليتش (1970) وهو في عزّ عطائه، رغم انكفائه في الآونة الأخيرة بداعي المرض أيضاً. أنغيليتش قريب من توجّه رادو لوبّو لناحية الريبرتوار الرومنطيقي، مع تركيز وإنجازات في أعمال برامز تحديداً، علماً أنه قام بمحاولة غير موفّقة في ريبرتوار باخ (تنويعات غولدبرغ)، بالإضافة إلى اهتمامه بالريبرتوار الفرنسي نظراً لانتقاله للدراسة والعمل في فرنسا.