عتيق وأليس رحيمي: رسائل الوباء

  • 0
  • ض
  • ض
عتيق وأليس رحيمي: رسائل الوباء

على الأرجح، نحن على موعد مع «كتابة الجائحة»، أو «نصوص الحجر الصحي»، تلك التي عصفت ريحها معظم الكتّاب في العالم. لم تعد نصوص الحرب واللجوء والمنفى وحدها من يتحكّم بالمعجم الأدبي، ذلك أن فيروس كوفيد-19، أطاح طمأنينة المخيلة رأساً على عقب، وإذا بسرديات أمس تخضع لفضاء آخر كمحصلة لعزلة قسرية لا تشبه العزلة المختارة. آخر مقترحات كتابة العزلة في هذا السياق الرسائل المتبادلة بين الروائي الأفغاني عتيق رحيمي وابنته أليس في كتابهما المشترك «ليته في الليل فحسب» (دار بول- باريس). كان الأب وابنته يعيشان في فرنسا، ولكن في مكانين منفصلين، حين اجبرتهما الجائحة على الحبس في المنزل، فاضطرا إلى التواصل عن طريق الرسائل الالكترونية في الفترة الممتدة من آذار (مارس) وأيار (مايو) 2020 ثم أيلول (سبتمبر) وكانون الأول (ديسمبر) 2021. لم تكن رسائل اطمئنان بقدر ما كانت حالة استجواب للأب عن معنى الهوية والمنفى والعائلة. كانت أليس قد انقطعت عن دراستها للموسيقى مرغمة، فيما غرق الأب في ورشته الكتابية، وكان عليهما لردم المسافة بينهما تظهير صورة مؤجلة لطالما كانت غائمة في مرآة الابنة التي وجدت نفسها منفصلة عن تاريخ أسلافها نظراً لولادتها في باريس. هكذا يطفو الماضي على السطح على هيئة أفكار تأملية وحميمية بين جيلين بقصد الإجابة عن أسئلة لم يسبق للابنة طرحها على الأب. سوف يجيبها في تفسير منفاه «لا تقلقي يا حياتي. لدي رأس مرتبك أكثر منك. إذا كتبت إليك، فهذه أيضاً محاولة لتنظيم العالم الفوضوي المحصور بداخلي» يقول. لم تعد مهمة صاحب «حجر الصبر» اختراع حكايات متخيّلة عن الآخرين، إنما أرشفة روايته الشخصية وكيفية هروبه من أفغانستان عندما كان في عمر ابنته، وتالياً، كان عليه أن يفتح «الحقيبة المترهلة» بالحنين إلى بلده، و«مرض الحداد» الذي لم يبارحه إثر مآسيه المتلاحقة: «عندما نكتب الماضي، نعيد اختراع أنفسنا. في هذا، كما أظنّ، الكتابة هي حدادي الحقيقي» يقول. ويضيف في رسالة أخرى إلى ابنته: «لا شكّ أنك ستندهشين حين تسمعينني أتكلم بقلق شديد عن رغبتي في العودة إلى واقع العالم، بفضل هذه الكتابة، لكن حذار أن تظنّي أنّني أرغب في الواقعيّة. لا، لا رغبة لي في التصالح مع الواقع». تفهم أليس تدريجاً عمق الجرح الذي يعيشه الأب، و معنى الفقدان، فتتساءل «أبي، صديقي، أحمل مخاوفك ومعاناتك كما تحمل معاناة والديك. لكن هل سأكون قادرة على التخلص من مخاوف أسلافي؟». هذه الاعترافات تعيد إلى الابنة شيئاً من تاريخ بلادها الأصلية وسيرة الأب المثقلة بجحيم الحروب والمنفى والقلق ، لكنه في المقابل يسعى إلى «بثّ روح الأمل في عقل وذات ابنته» كما يؤكد على أن «كلّ تغيير لا بدّ من أن تسبقه أزمة تمهد له الأرضية الصلبة حتى يكون التغيير كما هو مأمول ومرجوّ»، و«أن البشرية في حاجة لاختراع ذاتها من جديد وينبغي للإنسان أن يعود إلى نظام بيئي كي يكتشف ذاته مجدّداً».

0 تعليق

التعليقات