رحل أمس الناقد والأكاديمي المغربي محمد مفتاح (1942-2022)، أحد السيميائيين القلّة المؤثرين في خطاب النقد العربي، الذي عاصر المفكرين عابد الجابري وعبدلله العروي في «جامعة محمد الخامس» في الرباط في سنواتها الذهبية في السبعينيات والثمانينيات، باحثاً قبل أن يصير أستاذاً للدراسات الأدبية والنقدية فيها. لم يدرس مفتاح العقل والفكر العربيين فلسفياً كما فعل الجابري والعروي، لكنه اعتبر أن الأدب أحد المؤثرات الأساسية في هذا العقل. من خلال دراسته، قارب أسئلة حول الفكر العربي، ملتفتاً بشكل خاص إلى الشعر باعتباره أحد أكثر الأشكال الأدبية تأثيراً في الثقافة العربية، قبل أن يخرج من الشعر إلى النصوص بشكل عام، راصداً آلية تأويلها وضوابطه.
عرف عن الراحل ميله إلى التعدد في المناهج والتخصصات لدى مقاربة الظواهر الأدبية والثقافية، فوظّف في كتاباته علم النفس المعرفي والمنطق والبلاغة والأناسة الثقافية المعرفية وعلم الموروثات، إلى جانب ميله منهجياً إلى سيميائية باريس، إضافة إلى التأويلية والتداولية. درس مفتاح دينامية النصوص بطريقة مغايرة عن المألوف.
كما عُرف باشتقاقه لمفاهيم نقدية مثل النحت والمقارنة والتدريج والتحديد، حيث اعتبر مفهوم النص أحد المفاهيم اللسانية والسيميائية الأساسية، التي أنشئت حولها علوم عديدة مثل نظرية النص ولسانيات النص والسيميائيات النصية. وطرح أسئلة أجاب عليها بطرق مختلفة عبر كتاباته وهي: كيف ينمو النص، وكيف يجري تلقيه ثم تأويله، وكيف يتم تحقيقه وما هو دور المرجع اللغوي والثقافي والطبيعي في تشكّل النص.
للراحل أكثر من عشرة كتب تعدّ أساسية اليوم في نقد التراث العربي، أبرزها «في سيمياء الشعر القديم» (1982)، و«تحليل الخطاب الشعري: استراتيجية التناص» (1986)، و«دينامية النص» (1987)، و«مجهول البيان» (1990)، و«التلقّي والتأويل: مقاربة نسقية» (1994)، و«الخطاب الصوفي: مقاربة وظيفية» (1997)، و«مفاهيم موسّعة لنظرية شعرية» (2010) و«النص من القراءة إلى التنظير» (2010). كما جمع وحقّق عام 1989، ديوان لسان الدين بن الخطيب الأندلسي.
بدأ مفتاح اهتمامه بالأدب العربي أواخر الستينيات بعدما درسه عام 1966، وتابع دراساته فيه مدعمة بحصوله على درجة في الدراسات اللغوية وعلم النفس، وحتى حصوله على الدكتوراه في الآداب عام 1981. لدى حصوله على «جائزة سلطان العويس الثقافية» عام 2004، وصفت لجنة الاختيار إنجازاته بأنها «إضافة نوعية لخطاب النقد العربي الراهن نظراً لتنوعها وعمقها ونزوعها نحو التأصيل والابتكار». وأضافت «تكشف أعمال الباحث عدم الركون إلى الاستعارة السهلة لما هو جاهز أو سائد مكرس، بل يعمد إلى التركيب الخلاق والتشييد الفعلي لعناصر نظرية ومنهاجية تفيد من مختلف العلوم الإنسانية بقدر إفادتها من العلوم الدقيقة».