في إحدى مستشفيات بيروت بعيداً عن الموصل التي نشأ فيها وكتب عن تاريخها طيلة حياته، رحل المؤرخ العراقي الأب سهيل قاشا (1942-2022)، تاركاً قرابة ثمانين مؤلفاً يتضح فيها انهماكه بالدراسات المقارنة للأديان، خاصة الإسلام والمسيحية، واهتمامه بالتاريخ العثماني في المنطقة العربية، كما يظهر اهتمامه بتتبع أثر وحضور أساطير المدونة البابلية والسومرية في التوراة.لعائلة سريانية في بلدة بخديدا في محافظة نينوى، ولد سهيل بن بطرس بن متى قاشا، والتحق بالمدرسة الحمدانية قبل أن تنتقل عائلته إلى الموصل ليتابع دراسته في مدارسها، وصولاً إلى حصوله على شهادة تمكنه من العمل عام 1961. مكنته مهنته كمدرس من التنقل بين محافظات العراق ومدارسها، فعمل مدرساً في قضاء زاخو الكردستاني، وحمام العليل في نينوى والمدينة التركمانية تلعفر. لم يكتف الأب قاشا بشهادة تدريب المعلمين، فالتحق بجامعة الموصل حيث درس التاريخ وتخرج عام 1978، قبل أن يلتحق بأكليريكية مار أنطون البادواني ليدرس اللاهوت، ويصبح لاحقاً رئيس الإكليريكية الكبرى للسريان.
صدر أول كتاب لقاشا عام 1963، وكان بحثاً فلسفياً لاهوتياً بعنوان «أنت من أنت»، ظهر فيه الشاب المسيحي المتدين الباحث عن ذاته والذي يحمل أسئلة يبحث لها عن إجابات. وفي بداياته، قبل أن يكمل دراساته الجامعية والكهنوتية، كانت مؤلفات الراحل تأخذ منظوراً واسعاً، قبل أن تصبح أكثر تركيزاً وتحديداً مع الوقت، فتارة يتناول حوادث بعينها من التاريخ، أو شخصية محددة، وفي السنوات الأخيرة وضع كتباً عدة عن الموصل، رغم أنها كانت حاضرة في البدايات أيضاً.
من أبرز مؤلفاته عند مدينته الأثيرة؛ دراسة سياسية بعنوان «الموصل في القرن التاسع عشر» (التنوير)، و«الموصل في العهد الجليلي» (التنوير)، «الموصل في مذكرات الرحالين العرب والأجانب» (الوراق). كذلك وضع كتباً مرجعية عن المسيحيين في العراق منها «لمحات من تاريخ نصارى العراق»، و«كنائس بخديدا»، و«تاريخ أبرشية الموصل للسريان الكاثوليك» و«السريان تاريخ وحضارة». كما نشر أعمالاً عدة عن تاريخ العراق القديم، إلى جانب أعمال أدبية، من بينها مسرحيات دينية هي «الميلاد»، «الجلجة»، «مار بهنام»، «يوسف الصديق»، وله روايتان هما «الكاهن المجهول»، «كشف القناع عن الفضائح».
لم ينس قاشا بخديدا، مسقط رأسه التي كانت تعرف باسم قره قوش، من اهتمامه، فبدأ في الثمانينات مشروع توثيق لها، صدر في مؤلف موسوعي من أربعة أجزاء بعنوان «تاريخ قره قوش»، كما نشر كتاباً آخر هو «سيرة الشهيدة شموني وكنيستها في قره قوش».
يذكر أن الراحل عمل أستاذاً في جامعات لبنانية، فدرّس الإسلاميات، والحوار الإسلامي المسيحي في «معهد القديس بولس للفلسفة واللاهوت» و«جامعة الحكمة» في بيروت و«جامعة الحضارة الإسلامية المفتوحة».