فاجعة هزّت الوسط الثقافي والفني في تونس فجر السبت برحيل نقيب الفنانين التشكيليين حسين مصدق (1968) على أثر سكتة قلبية اختطفت روحه، مخلّفةً حزناً عميقاً في الشارع الثقافي الذي عرف مصدّق فنّاناً مقبلاً على الحياة، مؤمناً بقدرة الفن العالية على نشر قيم الحب والجمال في بشاعة هذا العالم. ولد مصدق في مدينة غمراسن في الجنوب التونسي والتحق بسوريا وتحديداً دمشق لمواصلة دراسته. كانت تجربته متعدّدة بين الرسم والغرافيتي والديكور والفوتوغرافيا. عاش متفرّغاً للرّسم الذي لم يعرف غيره مهنة ولا عشقاً. كان يعيش من أعماله الفنية، ملتزماً بالدفاع عن حقوق الفنانين المادية والمعنوية وحقّهم في الحياة الكريمة، ممّا تسبّب له في متاعب كثيرة مع المؤسسة الثقافية.
وكان حسين مصدّق من الفنانين القلائل الذين كان لهم حسّ سياسي والتزام عميق بالقضايا القومية، وخاصة القضية الفلسطينية. ورغم تحذيرات الأطباء، واصل مصدق إقباله على الحياة رغم مرض القلب الذي خانه في النهاية، ليموت وحيداً في شقته الصغيرة في ضاحية البلفيدير وسط العاصمة التونسية.
«تعبت… أخيراً» كانت كلمته الأخيرة التي دوّنها على صفحته على الفايسبوك قبل يوم واحد من رحيله الذي لم يصدّقه أحباؤه الذين سيفتقدونه كوجه أليف وفنان كثير الصمت لا تفارق السيجارة شفتيه غير عابئ بنصائح الأطباء كأنه يستعجل رحيله من حياة لم تمنحه الكثير من الأمل.
وبرحيله، تفقد التجربة التشكيلية التونسية فنّاناً عصامياً مختلفاً نجح في توظيف مفردات الخط العربي والمنمنات الشرقية في صياغة مناخاته التشكيلية الغارقة في سحر الشرق. إذ ألقت سنوات إقامته في سوريا واقترابه من التجارب الفنية في المشرق العربي، وخاصة في منطقة الشام على تجربته الفنية. وهو ما منح مساره الفني خصوصية جعلته مختلفاً عن أبناء جيله وعن التشكيليين التونسيين.
الفنان طويل الصمت الذي كان يبدو لمن لا يعرفه انطوائياً يرحل في سن الرابعة والخمسين عاماً بعدما خذله قلبه الذي لم يعد يتحمّل مزيداً من الألم في مشهد عربي عبثي لا يتّسع لأحلام الفنانين والشعراء. حسين مصدق… وداعاً.