بحلول نهاية عام 2021، أصبح وضع «مارفل» واضحاً تماماً، فقد صنعت شخصيّة «سبايدرمان» الجديد حالة غير مسبوقة حول العالم. Spider-Man: No Way Home آخر أجزاء سلسلة الأفلام الشهيرة، عاد بفكرة «ثورية» جذبت محبّي السينما إلى الصالات من أجل مشاهدته. على ماذا لعبت «مارفل» لجذب الجماهير؟ استخدمت الحنين إلى الماضي. خطوة دفعتها لتغيير سياستها خصوصاً في جائحة كورونا من خلال الكشف عن قصة فيلم سبايدرمان الجديد، بعنوان «لا طريق للعودة إلى الوطن»، التي قرّر مؤلّفوها دمج جميع شخصيّات سبايدرمان السابقة، خلال الألفية، في فيلم واحد. أمر يُثير حالة من النوستالجيا لدى الجماهير. ويبدو أنّ هذه السياسة لقيت نجاحاً سريعاً بعدما حقّق الفيلم 253 مليون دولار من مبيعات التذاكر في الولايات المتحدة وكندا، وتسجيله رقماً قياسياً فى الإيرادات خلال جائحة فيروس كورونا. كما احتل المرتبة الثالثة لأعلى إيرادات العرض الأول فى تاريخ هوليوود، حتّى مع بدء تفشّي المتحوّر الجديد «أوميكرون».
سبايدرمان هو أحد الأبطال الخارقين المفضّلين لدى الجمهور، ويمكن القول إن No Way Home هو أكثر الأفلام إثارة لهذا العام. تنبع أهميّة الفيلم كونه الانطلاقة الهامة لمارفل في الأكوان المتوازية، وكرنفالاً كبيراً يشهد ظهور أشرار أفلام «سبايدرمان» السابقة.
تدور أحداث الفيلم حول أول ظهور للبطل بيتر باركر في تاريخ Spider-Man السينمائي، حيث يتمّ الكشف عن شخصيّة البطل الحقيقيّة، ما يجعله عاجزاً عن فصل حياته الطبيعيّة عن المخاطر الكبيرة لكونه بطلاً خارقاً، وقد تمّ اتّهام باركر بقتل ماستريو، ما أدّى إلى نشر الفوضى في المدينة.
يُحاول بيتر أن يُصلح ما فعله لكنّه يفشل، ثمّ يلجأ إلى دكتور سترينج إحدى شخصيّات Avengers «المنتقمون» الذي شاركه في المعارك الأخيرة ضد ثانوس. دكتور سترينج هو المُتحكّم بحجر الزّمان، وبإمكانه إعادة الزّمن إلى الوراء وتغيير ما حدث. في سبيل استعادة سريّة هويّته، يُحاول بيتر اللّجوء إلى قُدرات دكتور سترينج، لتنفيذ تعويذة تجعل الجميع ينسون الشخصيّة الحقيقيّة لسبايدرمان، لكنّ بيتر يتراجع عن قراره في وقت غير مناسب، فتفشل التعويذة ويقع خلل في الاتصال بين العوالم الموازية. وبدلاً من أن تجعل الجميع ينسى، جاءت بجميع من يعرف بيتر من الأكوان الأخرى إلى الحاضر. وبما أنّ الأشرار يعرفون هويّة سبايدرمان، انتقلواً أيضاً ليشكّلو تهديداً حقيقيّاً للمدينة.
الفيلم من بطولة: توم هولاند، زيندايا، أنجيلو بروكس، جايكوب باتالون، ماريسا تومي، جيمي فوكس، بيندكت كامبرباتش وألفريد مولينا، وإنتاج شركة «مارفل ستوديوز» و«كولومبيا بيكتشرز»، وإخراج جون واتس.
الحبكة كما تمّ وصفها، تبدو مثيرة ومبتكرة للغاية، ولكن في الواقع يتبيّن أنّ كلّ شيء فوضوي «عن قصد». يبدو ظهور بعض الشخصيات في الحبكة أحياناً سخيفاً ومضحكاً للغاية، وكأنّها في البداية لا ينبغي أن تكون في الفيلم، لكن عليك إرضاء المعجبين، بإضافة وجوه مألوفة على الشاشة لإضفاء البهجة الواجبة.
وصف العديد من النقّاد فيلم «سبايدرمان» الجديد بأنّه تحفة «مارفل» التي أصلحت أخطاء الماضي. فالفيلم يقدّم الإجابات على أغلبيّة الأسئلة المُلحّة التي تتركك الأفلام القديمة تتساءل عنها، وتكتب نهايات جديدة بديلة عن تلك التي قدّمها كتّاب الأفلام القديمة. مثال على ذلك نهاية الجزء الأول من ثلاثية Sam Raimi، ونهاية فيلم The Amazing Spider-Man 2 التي أثارت كثيراً من الجدل في وقتها، وتسبّبت حسب بعض الآراء في إلغاء أي مشروع مستقبلي مبني على الشخصيّات نفسها. يُعتبر هذا الجانب هو الأفضل لأيّ مشاهد مُحبّ لشخصية سبايدرمان لأنّه قد حصل على نهايات تليق بالشخصيّات التي عاش معها لحظات لا تُنسى، ربّما في طفولته أو مراهقته، وهو الوقت الذي تشكّل فيه وعيه لتصبح بذلك قصص تلك الأفلام مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بجزء كبير من حياته.

عالم مارفل في أبهى صورة
منذ مشاهدة فيلم Civil war الذي تقاسمت بطولته شخصيّتا Iron Man و Captain America، وتم تقديم شخصيّات سبايدرمان وبلاك بانتر خلال أحداثه، تمكّن المشاهد من استشعار مدى قوّة عالم «مارفل» السينمائي. أن تُقَدّم كلّ هذه الشخصيّات في فيلم واحد، ولا تجعله يظهر كأنه فيلم مزدحم، فارغ من القصّة، هو بحدّ ذاته إنجاز كبير، لم تنجح فيه شركة DC عندما قدّمت لنا Justice League في 2017. فكرة أن تمتلك شخصيّات عملاقة مثل دكتور سترينج كشخصية جانبية في فيلمك، تعتبر حصاد 26 فيلماً سابقة ساهمت جميعها في بناء شخصيات عالم مارفل.
هكذا يعتبر No way home احتفاليّة عظيمة بمرور 13 عاماً على بداية عالم «مارفل» السينمائي. ببساطة إنها حافز في رحلة المشاهد الذي يعطيه شعوراً بالسعادة مشابهاً لشعور الوصول، ولكنّها ليست النهاية!
هل تُدركون كم عجزت الكثير من الأفلام عن تقديم هذه الحالة؟ في فيلم No way home، لم تحصل كل الشخصيات على وقت متساوٍ على الشاشة بطبيعة الحال، ولكن كلّ شخصية حصلت على حقّها وعلى مسار قصصي خاص بها، اكتمل بشكل رائع، وحسّن من بعض الأشياء التي اعتبرها الناس سلبية في ثلاثية Sam Raimi وثنائية The Amazing Spider-Man.


كيف سيبدو العالم بدون سبايدرمان؟
قبل الغوص في حرب الشركات على متابعي سبايدرمان، يجب معرفة جزء بسيط من مسار قصّة انطلاقته وصولاً إلى اليوم.
بعد النجاح السّاحق لـ «مارفل» طوال سنين عديدة، قرّرت شركة «والت ديزني» الاستيلاء عليها كما تحب أن تفعل دائماً. وبالفعل في عام 2009، استحوذت «ديزني» على «مارفل» بالكامل مقابل 4.64 مليار دولار أميركي. ظاهريّاً، «مارفل» شركة بعيدة عن «ديزني»، لكن ماليّاً وقانونيّاً، «ديزني» هي المتحكّمة في مقاليد الأمور. وبما أنّها المُتحكمة، قرّرت بيع حقوق شخصيّة سبايدرمان لشركة «سوني» للمرئيّات والخدمات الترفيهيّة مقابل مبلغ كبير.
لكن لاحقاً قرّرت صناعة سلسلة أفلام للشخصية وإدخالها في عالم «مارفل» السينمائي. وقتها كان الاتفاق أن الإنتاج على «ديزني/مارفل»، بينما التسويق على «سوني»، مع وجود نسبة ربح أكبر بالطبع لـ «سوني» لأنها صاحبة حقوق الشخصية. أصدرت «سوني» ثلاثة أفلام من تمثيل توبي ماغواير، لكن لم تنجح بشدة فقرّروا إعادة الإنتاج في صورة ثنائية أفلام من تمثيل أندرو غارفيلد، وأيضاً لم تلقَ رواجاً. حينها قرّرت «مارفل» جلب توم هولاند للشخصية، الذي شارك في خمسة أفلام كاملة من إنتاج الشركة.
هنا اهتمّت «سوني» بالتّسويق للعناوين التي كان سبايدرمان بطلها، بينما تركت باقي العناوين لـ «ديزني» كي تتكفّل بها تسويقيّاً. ولكنّ هناك قاعدة عامة في شركات الإنتاج وأصحاب الحقوق في عالم هوليوود السينمائي «الكعكة لا تكفينا جميعاً». بعد انتهاء اجتماع جميع الأطراف من دون الوصول إلى وفاق بعد إصرار «ديزني» على الحصول على نسبة 50% من أرباحها، يمكن القول أن سبايدرمان خارج عالم مارفل السينمائي بالكامل، إلا أن هناك شائعات تقول بأن توم روثمان رئيس مجلس إدارة مجموعة «سوني» يحاول جمع الطرفين مرة أخرى على طاولة النقاش من أجل حلّ الأمر بأقل خسائر ممكنة.

نزاع مارفل وسوني يهدّد سبايدرمان!
في الفيلم الأخير لشخصيّة سبايدرمان، يرى الجمهور توم هولاند يقوم بصولات وجولات في العالم كجزء من السلسلة نفسها، أي أنّ الشخصيّة حيّة تستمتع وتحارب الأشرار. ولكن «مارفل» و«ديزني» تجدان نفسيهما أمام خيارين: الأول هو أن تأخذ «سوني» مهمّة الإنتاج وتُنجز فيلماً لشخصية سبايدرمان من دون إدراج أيّ شخصية من عالم «مارفل» السينمائي فيه، وهذا يُعتبر شبه مستحيل، لأن متابعي عالم «مارفل» تعلّقوا بشخصيّات هذا العالم، والمزيج الذي يمثّله في عقولهم وقلوبهم. أما الثاني، فهو عدم تقديم سبايدرمان في أي فيلم سينمائي على الإطلاق، ويكون مقتصراً فقط على سلسلة الألعاب التي تصنعها «سوني» لجهاز البلايستيشن، خصوصاً أنّ الإصدار الخامس من جهاز الألعاب سيصدر على الأغلب في العام المُقبل، ومن المُرجّح أن تصدر لعبة سبايدرمان جديدة وحصرية. ولعلّ الخيار الثاني سيكون وقعه قاسياً على محبّي فيلم «سبايدرمان».

* Spider-Man: No Way Home في الصالات اللبنانية