بعد احتجاب لعامين ونصف عام فرضته التطوّرات التي شهدتها الساحة اللبنانية، بدءاً بانتفاضة 17 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2019 مروراً بجائحة كورونا والأزمة الاقتصادية وليس انتهاءً بانفجار مرفأ بيروت، يعود «مهرجان الفيلم العربي القصير» الذي ينظّمه «نادي لكل الناس» بدورته الخامسة عشرة، ابتداءً من اليوم الإثنين لغاية العاشر من كانون الأوّل (ديسمبر) الحالي في «المعهد الفرنسي في لبنان» (طريق الشام ــ بيروت)، على أمل أن يكون «محطة مهمة على خارطة الأحداث الثقافية والفنية البيروتية رغم صعوبة الأوضاع المادية».تتضمّن نسخة 2021 أنشطة منوّعة بالإضافة إلى مسابقة لأفلام قصيرة (7 و8 و9 كانون الأول) تضم 35 شريطاً من دول عربية مختلفة، من بينها لبنان وتونس والمغرب ومصر وفلسطين وسوريا والعراق.
في اتصال مع «الأخبار»، يشدّد مدير «نادي لكل الناس»، نجا الأشقر، على أنّ الأفلام التي وقع عليها الاختيار للمشاركة في المباراة تنتمي إلى مدارس سينمائية مختلفة من دون أن تخلو من التحريك والتجريب. ويشير كذلك إلى أنّه على صعيد المواضيع، تشكّل الأعمال اللبنانية صدى للواقع الذي نعيشه منذ أكثر من عامين، بما في ذلك الحراك الشعبي والأزمة الصحية العالمية والقلق من تردّي الأوضاع الاقتصادية والهجرة والإحباط.
وكما في لبنان كذلك في دول عربية أخرى، جاءت الأشرطة المنتقاة لتحاكي هواجسَ هؤلاء المخرجين الشباب وطموحاتهم وآراءَهم تجاه راهنهم.
مثلاً، نلمس في الأفلام المصرية تركيزاً على دور المرأة في المجتمع والعنف الممارس ضدّها فضلاً عن غيرها من القضايا. وفي فلسطين، يقدّم السينمائيون الجدد نظرتهم إلى الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه. أما لجنة تحكيم المسابقة، فتتألّف من مدير التصوير حسن نعماني (رئيساً)، إلى جانب المخرج بهيج حجيج، والمؤلّف الموسيقي توفيق فرّوخ، والممثلة ثريا بغدادي والمونتيرة باميلا غْنَيْمة.
عند الساعة السابعة من مساء اليوم، يُفتتح الحدث بعرض لفيلم Alors لجان شمعون (1944 ــ 2017). العمل الذي يمتدّ لـ17 دقيقة، هو مشروع تخرّج المخرج اللبناني الراحل من الجامعة في باريس في عام 1972، وقد عُثر عليه قبل عامين ونصف عام تقريباً بعدما كان ضائعاً.
بعدها، يوجّه الحدث تحية للمخرج اللبناني الراحل برهان علوية (1941 ــ 2021) من خلال عرض فيلمه «رسالة من زمن الحرب» (1985 ــ 60 د) الذي تعرّض لـ «ظلم» خلال العقود الماضية. في هذا الإطار، يوضح نجا الأشقر أنّ هذا العمل الذي يحمل رسالة من بيروت خلال الحرب الأهلية لم يُشاهَد لأسباب عدّة، ما دفع بصاحبه للقول بعد عامين من تحرّك الشارع اللبناني في عام 2019 إلى أنّ أوان عرضه قد حان.
تنقلنا باميلا نصّور إلى عالم جسد المرأة بطريقة غير تقليدية


وعلى صعيد الأنشطة، يضم «مهرجان الفيلم العربي القصير» مناقشة مع المصوّرة السينمائية موريال أبو الروس وفريق فيلم «زيارة» Empowering Women الذي سيُعرض بداية (7/12 ــ س: 17:30)، على أن يليه عرض فيلم فيليب عرقتنجي القصير Thawra Soul (روح الثورة ــ 11 د ــ س: 18:45) الذي أطلقه المخرج اللبناني قبل فترة وجيزة ويصوّر «طاقة» الحراك في الشارع اللبناني على حدّ تعبيره، على أن يتبع العرضَ نقاش مصغّر مع عرقتنجي.
بعد غدٍ الأربعاء، يحين موعد «ماستر كلاس» مع موريال أبو الروس يحمل اسم «أنا بيروت» (س: 17:00) ويتركز على «العملية الإبداعية البديهية، بحضور عدد من المبدعين».
أما الختام، فسيكون مع توقيع باميلا نصّور التي ستكون نجمة الحدث في 9 كانون الأوّل، إذ سيتمكّن الجمهور من متابعة فيلم قصير تجريبي من إخراجها (من خارج المسابقة) بعنوان «إلى حيث» (8 د ــ س: 18:30)، تخوض بعده مناقشة مقتضبة. في تصريحات إعلامية مختلفة، تشدّد نصّور على أنّ هذا الشريط الذي عُرض في البرازيل وأستراليا وبلدان أوروبية عدّة هو «حالة خاصة»، لافتةً إلى أنّه «ينقلنا بدقائقه القليلة إلى عالم جسد المرأة ولكن بطريقة مختلفة وغير تقليدية»، إذ اختارت باميلا أنّ تصور الجسد عن قرب وبدقّة فنية تظهر للمشاهد تفاصيل لم تألفها العين.
آخر أيام «مهرجان الفيلم العربي القصير» حافل بالأنشطة. عند الساعة السادسة مساءً، سيوقّع الفنان اللبناني توفيق فرّوخ أسطوانتين تحتويان على عدد من المقطوعات الموسيقية التي ألّفها لأفلام تحمل توقيع مخرجين أمثال محمد ملص، وغسّان سلهب، وجان كلود قدسي، وميشال كمّون وديمة الجندي، وخليل الزعرور وآخرين. وتزامناً، سيوقّع المخرج والأكاديمي اللبناني هادي زكّاك كتابه الجديد «العرض الأخير ــ سيرة سيلَما طرابلس» (زاك فيلمز).
عُرفت السينما في الأوساط الشعبيّة الطرابلسيّة باسم «سيلَما» واحتلّت مكانة مهمّة في حياة المدينة، امتدّت من ثلاثينيات إلى نهاية القرن العشرين. يروي هذا الكتاب سيرة صعود وازدهار الـ«سيلَما»، فتتكوّن المعابد والطقوس والقصص والأفلام والنجوم وتتشابك السينما مع حياة مدينة عربيّة اختبرت كل أنواع الأفلام في حياتها. تواكب «سيلَما» تاريخ طرابلس المعاصر قبل أن «تسلّم روحها مخلّفة إرثاً كبيراً من الصور والأصوات»، وفق ما يؤكّد صاحب فيلم «يا عمري» في تعريف عمله الجديد.
أمّا الختام، فسيكون مع وثائقي «تسعون» (60 د) للراحل مارون بغدادي (1950 ـــ 1993) الذي يكرّم ويحاور الكاتب اللبناني ميخائيل نعيمة (1889 ــ 1988) في عامه التسعين. الشريط الذي أنجزه بغدادي عام 1981، سيُطلَق (س: 19:30) في عرض جماهيري للمرّة الأولى خلال المهرجان المرتقب، وفق ما يؤكد نجا الأشقر. علماً بأنّ صاحب كتاب «مذكّرات الأرقش» تحدّث في الفيلم بكامل وعيه وبأسلوب «جذّاب وجميل».

الدورة الـ15 من «مهرجان الفيلم العربي القصير»: بدءاً من اليوم ولغاية 10 كانون الأوّل ــ «المعهد الفرنسي في لبنان» (طريق الشام ــ بيروت). للاستعلام: 03/888763 وللحجز: 76/878649 ـــ البرنامج كاملاً

تحيّة إلى برهان علوية وجان شمعون: فيلمان نادران

«رسالة من زمن الحرب» لبرهان علويّة

في ليلة الافتتاح عند السابعة من مساء اليوم، يوجّه «مهرجان الفيلم العربي القصير» تحيّة إلى المخرجين اللبنانيين الراحلين برهان علوية وجان شمعون من خلال عرض فيلمين نادرين لكلّ منهما. يُعدّ علوية وبرهان من أبرز وجوه «السينما اللبنانيّة الحديثة» بتركتهما الوثائقية والروائية، التي استحوذت عليها أحداث الحرب الأهليّة اللبنانية. يشكّل الافتتاح حدثاً نادراً، مع عرض وثائقي «رسالة من زمن الحرب» لبرهان علويّة. الشريط الذي لم يُعرض إلا في بضع مناسبات، منها مهرجان سينمائي فرنسي، بدأ «نادي لكلّ الناس» رقمنته والعمل على حفظه قبل أعوام. غير أن علويّة الذي رحل في أيلول (سبتمبر)، كان متردّداً في عرضه طوال سنوات، لأسباب لا يودّ مدير النادي نجا الأشقر أن يخوض في تفاصيلها. لكنّه يشير إلى أن المخرج كان قد رأى في انتفاضة تشرين الأوّل سنة 2019، الفرصة لعرضه بعد تردّد في السنوات الفائتة. «رسالة من زمن الحرب» (60 د – 1984) هو الجزء الأوّل من ثلاثيّة علويّة التي تتضمّن «رسالة من زمن المنفى» (1990)، و«إليك أينما تكون» (2000). وقد جاءت هذه الثلاثية التسجيلية، بعدما كان علوية قد أنجز آخر أفلامه في لبنان خلال الحرب، وهو رائعته الروائية «بيروت اللقاء» (1981)، إذ كانت وداعاً للمدينة التي هجرها إلى باريس جرّاء الاجتياح الإسرائيلي.
في ثلاثيّته، يلجأ علوية إلى الرسائل، يغطي زمن الحرب وهجرة مواطنيها، والذاكرة المثقلة التي حملوها معهم إلى العواصم الأوروبية كما في «رسالة من زمن المنفى». وبعد انقضاء الحرب، شكّل «إليك أينما تكون» فرصة وثائقية شعريّة لرصد الحرب الراسخة في ليل المدينة، وفي ظلمة أبنائها الذين فقدوا القدرة على النوم، تؤرقهم ذاكرة المدينة الدموية. وبالعودة إلى «رسالة من زمن الحرب»، فقد أنجزه علويّة في عزّ أحداث الحرب الأهليّة منتصف الثمانينيات. يتتبّع المخرج هجرات بعض العائلات بين المناطق اللبنانية والمخيّمات، وعائلات أخرى استطاعت أن تشقّ طريقها إلى الخارج عبر البحر. ومن خلال هذه الهجرات، تظهر كلّ الأحداث والمجازر التي أدّت إليها منها مجزرتا تل الزعتر وصبرا وشاتيلا، إلى جانب الاجتياح الإسرائيلي والاقتتال الأهلي الداخلي، وعمليات الخطف.
من جهة أخرى، سيحضر جان شمعون (1942 – 2017)، من خلال فيلمه القصير Alors (17 د – 1972) الذي عُثر عليه قبل عامين تقريباً، حيث بدأ النادي بالعمل على حفظه ورقمنته. الفيلم هو مشروع تخرّج شمعون لنيل شهادة ماجيستير السينما من «جامعة باريس الثامنة». وقد أنجزه في باريس قبل عودته إلى بيروت سنة 1974، قبيل سنة واحدة من بداية الحرب الأهلية، ما دفعه إلى خوض تجربته الأولى مع المخرج الفلسطيني مصطفى أبو علي على فيلم يوثّق لمجزرة تل الزعتر سنة 1976. في شريطه التسجيلي بالأبيض والأسود، يلتقي جان شمعون بالطلاب والطالبات اللبنانيين المقيمين في بيت الطلاب في الجامعة. يوثّق أحاديثهم وأفكارهم الثورية، والسياسية تجاه الأحداث العالمية والمحليّة.