«متّفقون، في لغتنا المتداولة، على عدم التساؤل حول كل كلمة نستعملها، نقول جميعاً: «حياة عاديّة»، «عالم عاديّ»، «النظام العاديّ للأشياء». لكن في لغة الشّعر، حيث تأخذ كلّ كلمة قدرها بعناية فائقة، ما من شيء عادي أو طبيعي. ولا حتى حجر، ولا حتى غيمة فوقه. ولا حتى نهار، ولا حتى ليل بعده. وفوق كلّ هذا، ولا حتى كينونة كيفما كانت في هذا العالم». هكذا، بكثافة لغويّة لم تغادرها أبداً، قدّمت ڤِيسوَاڤَا شيمبورسكا (1923 – 2012) رؤيتها الشعرية، في خطاب استوكهولم، الملقى في 7 كانون الأوّل (ديسمبر) 1966.

شيمبورسكا شاعرة بولنديّة، من مواليد 1923 في بلدة صغيرة قرب پوزنان، من جيل المضحىّ بهم، بين دياجير الاجتياح النازي، ثمّ تحت جزمة ستالين. استقرّت في كراكوف سنة 1931. أولى قصائدها المنشورة في جريدة «كراكوقيّة» سنة 1945 تثير ويلات الحرب العالميّة الثانية على بولندا. ديواناها «ما نحيا من أجله» (1952) و«أسئلة للذات» (1954) ينمان عن وفاء للقيم الشيوعية، بانسجام مع السياسة الثقافية الرسمية للنظام الذي استلم زمام الحكم بعد الحرب. لكن، مع موت ستالين، تخلّص الكتّاب البولّنديون من أسر التّوجيه الحزبيّ وحازوا حرّية جزئيّة في الإبداع. مع هاته الموجة، تنكّرت شيمبورسكا لقصائدها الخاضعة لإكراهات الواقعيّة الاشتراكيّة من خلال ديوان «نداء إلى ييتي» (1957). تبين أشعارها الموالية ــــ خصوصاً في «الملح» (1962)، و«ألف سلوى» (1967)، و«قصائد» (1970) و«تارسوس وقصائد أخرى» (1976) — عنْ غنى قاموسها وعوالمها، حيث تتمازج الفلسفة مع التأمّل الدّقيق في تفاصيل الحياة اليوميّة، في أبيات ذات طابع كلاسيكيّ، متخلّصة من التصنّع والزّخرف. رغم ذيوع صيتها في المشهد الثقافي البولندي، فإنّ اسْمها بقي رائجاً بشكل حميمي بين نخبة ضيّقة في الخارج، إلى أن نالت «جائزة نوبل» عام 1996. نشرت في ما بعد «الناس على الجسر» (1985)، «سهرة أدبيّة» (1992) و«النهاية والبداية» (1993). لا تستند شيمبورسكا، في كتابتها، إلى الكلمات فقط، لا تخربش على الورق. لا تترك ريشتها إلاّ ظلاً خفيفاً، بعض السواد. بريشتها، تبحث شيمبورسكا عن الأسئلة، تنقّب في أحشاء الدواليب. تحت لحاء الشجر. تحت ألوان لوحة فنّية. تبحث عن الأسئلة الكامنة في الأشياء الصغيرة للوجود. في كلّ هاته الأشياء اليوميّة التي تتحرّك دونما سبيل معيّن، دون دليل أو معلّم. كلّ تلك الأشياء البسيطة والسخيفة التي تكدّر الحياة أو تبهجها. وتبقى هاته الأسئلة دونما جواب، محرّرة منه. الأسئلة التي لا تطرح أبداً، لأنّ العيش مع الأجوبة أسهل من العيش مع الأسئلة. عن هاته الأشياء، تحدّثنا شيمبورسكا بحنوّ وتواضع، برقّة وسخريّة. بحيْث أنّنا عندما نقْرؤها نحسّ، في لحظة منفلتة من أسْر الزّمان، أنّنا نجباء وأنّنا فهمنا على الْأقلّ نتفة صغيرة عن الأبد، فهمنا لمَ الأرض كرويّة. أسهمت في تحرير مجلّة «الحياة الأدبيّة»، بين 1953 و1981. بالإضافة إلى مهامها التحريرية، كانت تكتب عموداً تجيب فيه على بريد القراء غير العاديين. قراء يطمحون إلى أن يكونوا كتّاباً في المستقبل أو صقل مواهبهم ككتّاب شباب في حاضرهم. تمّ تجميع هذه الأعمدة في كتاب، تحت عنوان «كيف تبدأ الكتابة (ومتى تتوقف)». هنا مقتطفات منه ترجمها الشاعر والمترجم المصري أحمد شافعي، عن الإنكليزيّة