خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته مديرة «المعهد الفرنسي في لبنان» ماري بوسكاي، عشية «مهرجان بيروت للشرائط المصوّرة» الذي اختُتم أخيراً، أعلنت بأنّه سيُسهم في «اكتشاف هذا الحقل (الفني) متعدد الوجوه الذي أصبح جزءاً أساسياً من المشهد الفني والثقافي في بلدنا» أي في فرنسا. وأمِلت بوسكاي بأنّ يمدّ المهرجان جسراً يربط «عشاق هذا الفن بهواته الجدد في فرنسا، كما في لبنان». كلام بوسكاي الذي يمزج الشعارات الرنّانة، بالرومانسية على الطريقة الفرنسية، كالحديث عن الجسور وتوطيد الصلات بين الشعوب، يبدو أنّه سقط مع اختبار المهرجان الفني، الذي قصد منظّموه («المعهد الفرنسي في لبنان» بالتعاون مع «مهرجان ليون للشرائط المصوّرة»، و«الأكاديمية اللبنانية للفنون» -ألبا، و«مبادرة معتزّ ورادا الصواف للشرائط العربية المصوّرة» في «الجامعة الأميركية في بيروت»)، أن يضم مشاركات عربية ولبنانية، ويُلقي الضوء على فنّانينها وأعمالهم، من بين 40 فناناً مشاركاً، حطّوا رحالهم في بيروت، وتوزّعوا على أكثر من 20 فضاءً ثقافياً متنوعاً (طرابلس، صيدا، جونية، دير القمر، الجميزة...). مع خروج حادثة القمع التي طالت الفنان برّاق ريما، حين ضجّت مواقع التواصل بقضية حجب رسمته التي تنتقد السياسات الفرنسية في لبنان، ومن ثم انسحابه من المهرجان الذي يحيّي «ثورات» العالم العربي وحرية الشعوب، بدأت حوادث أخرى، تطفو إلى السطح، أو ربما يمكن حملها على طريقة تساؤلات دارت على طاولات النقاش وفي أروقة المهرجان. لعلّ الشكوى الأساسية، تجلّت في انتقاد غياب الأسماء العربية عن الإعلانات الترويجية للمهرجان، لغاية نشر البرمجة الكاملة لاحقاً، ليتّضح للجمهور بأن هناك مشاركات عربية بالفعل. وُضع الأمر وقتها، ضمن فوضى التنظيم في أدنى التوقعات، لكن أيضاً ضمن ممارسة سياسة التمييز، بين المشاركات العربية والأجنبية. أضف إلى ذلك شكوى أخرى، تمثّلت في استخدام اللغة الفرنسية خلال الندوات، وإصرار بعضهم (حتى من العرب الفرنكوفون) على التحدث بها، بحضور باقي زملائهم، الذين لا يفقهونها، سيما مع غياب الترجمة إلى العربية أو الإنكليزية من الفرنسية، في بعض الأماكن كجامعة «الألبا». أمر اعتبره بعض الفنانين العرب المشاركين نوعاً من التمييز، وحتى إشعارهم بأنهم غرباء في بلد عربي، ينظّم فيه مهرجان فرنسي. من ناحية أخرى، وقع ثقل المشاركة العربية في معرض «الجيل الجديد: الشريط المصوّر العربي اليوم» الذي يستمرّ حتى 18 تشرين الثاني (نوفمبر) في «دار النمر» (كليمنصو). المعرض يضيء بشكل أساسي على وجوه الكوميكس في العالم العربي خلال السنوات الـ15 الأخيرة، وينقل تجارب فنية شابة، ولدت في العالم العربي، إلى جانب الوقوف على محطات تاريخية لظهور مجلات «الكوميكس» في الخمسينيات والثمانينيات. كما تخلّلته يوم الخميس الماضي، ندوة حوارية، أدارتها لينا غيبة، مديرة «مبادرة معتز ورادا الصواف» (AUB)، شارك فيها فنانون عرب، وآخرون أجانب، بهدف عكس «التنوع». لكن بعدها خرجت أجواء تشي بعدم ارتياح المشاركات العربية في المهرجان (العراق، الإمارات، مصر...)، نظراً إلى حوادث عدّة اندرجت في أفخاخ التمييز العنصري. على سبيل المثال، روى أحد المشاركين، الذي لم يُرد الكشف عن هويته، بأن فنانة فرنسية (تبين لاحقاً أنها من أصول عربية)، رفضت التحدث في الندوة مع زملاء لها لأنهم «عرب». شكوى حملناها إلى لينا غيبة، مديرة «مبادرة معتز ورادا الصواف» (AUB)، التي نفت ما تم تداوله، وأكّدت بأنّ الفنانة المذكورة، أُصيبت بوعكة صحيّة، ولم تستطع المشاركة في اللقاء الحواري، وظلّت جليسة كرسيّها. وشدّدت أيضاً، على أنّ الفنّانين العرب، لقيوا «أحسن معاملة»، وخصّصت لهم فنادق «خمس نجوم»، وأنّ ما حصل مع الفنان براق ريما ـ أكان في حجب رسمته، أو عدم الاهتمام بإقامته في الفندق ـــ لا يعدو كونه «سوء تفاهم»! وعمّا قيل عن مقاطعة مغاربية للمهرجان، سخرت غيبة من الأمر، موضحةً أنّ الفنّانين كمال زكّور (الجزائر)، وعبير القاسمي (تونس)، غابا عن الحدث بفعل بروتوكولات بلادهما المتعلّقة باللّقاح والحجر لدى العودة، وأن الرسامة نهى حبيّب (تونس)، تغيّبت أيضاً، بسبب وضع مولودها الجديد، مع حضور رسومهم في المعرض. ومع كل هذا التكتّم حول ما حدث في أروقة «مهرجان بيروت للشرائط المصوّرة»، والإشكاليات التي خرجت، مع دورته الأولى، حول التنوّع واختبار الحريات التي يُفترض أن يعبّر عن حدّها الأقصى فن الكوميكس، ما زالت هناك أمور متكتّم عليها، تتعلّق حتى بمشاركات لبنانية لها ثقلها الفني، رفضت الكشف عن أسباب مقاطعتها للمهرجان، تاركةً باب الأسئلة مفتوحاً.