في أيلول سنة 1962 غرق سعد الله صديق طفولتي في البحر، وكان لفقده عندي أثر عظيم لم يندمل جرحه في صدري إلى اليوم. وفي أيلول سنة 2021 فقدت صديق شبابي برهان، وقد فقدت ما بينهما في ما يقارب الستين سنة أهلاً وأحبة وأصدقاء، لا يسمح هذا المقام بذكرهم كي لا يضيق بعددهم. وإذ وقفت الأمس أمام قبر برهان، ونحن ندفنه في قريته أرنون الشقيف، شعرت بنفسي شجرةً منتصبة في العراء، وقد عُرّيتُ من أوراقي وقد سقطت ورقة بعد ورقة طوال هذه السنين، فأمسيت أرتجف وحيداً في العراء بأغصانٍ لا يلفّها الدفء، مشرّعة للريح والخواء، يا لهذا الفِقدان!فإلى برهان وسعد الله ومن فقدتُ بينهما من أهل وأحبة وأصدقاء أهدي هذه الأبيات.
توالتْ عليكَ خُطوبُ الحياةِ/ بحزنٍ لموتٍ وموتٍ مُكَرّرْ
فما زادكَ الموتُ إلا يقيناً/ بسُخْفِ الحياةِ فإيّاكَ واحْذرْ
ومَهما كَسِبْتَ رهانَ الحياة/ فموتُ الأحبّةِ يُزري فتخسَرْ
وكَمْ ناعمٍ نال رَغد الحياةِ/ بصحب وأهلٍ ومالٍ ومعشر
ومِنْ ثم أخنت عليه الحياة/ فأضحى بيُسرٍ وأمسى فأعْسَرْ
وكيف استقامة شأنِ الحياةِ/ إذا ما انتهيت لموتٍ فتقبر
وأيان يأتيك صفوُ الحياة/ ومن حولك الموت يفْني ويقهر
وما زلت تؤثر حُب الحياة/ أليست بكرهِكَ أحرى وأجدر
عجيبٌ سُرانا بليل الحياة/ فهل هي حقاً طريقٌ ومعبر
أمَ أنّا نقيم بنزلِ الحياة/ سويعاتها ثم نَفنى وندثرْ
وها أنتَ بُرهانُ عِشتَ الحياةَ/ على بأسها كنت تسمو وتكبر
فهل أنصفتك دروب الحياة/ بما قد تقدّم أو ما تأخر
وهل دأبنا في سبيل الحياةِ/ لنشقى بها ثم نهنى فنسكر
وهذا قصارى تخوم الحياة/ نرجي نعيماً وبالموتِ نعثر

* شاعر وناقد وأستاذ جامعي