في فيلم «تاريخ السينما» (1988) لجان لوك غودار، طرح المخرج الفرنسي سؤالاً لا جواب واضحاً عليه: «ما هي السينما؟». إشكالية تاريخية معاصرة تتفاوت الأجوبة عليها من شخص إلى آخر. لكن لا شك في أنّ السينما فنّ، ولا يمكن فصل تاريخ السينما عن التاريخ في السينما، فالفن السابع وسيلة للحفاظ على الذاكرة. لذا ينبغي لكل من يغوص فيه، أن يعي أهميّته ويتمتّع بالكفاءة لأنّ السينما تاريخ، وحياة، واستمرارية وحاجة أساسية. لعبت السينما دوراً حيويّاً في الثورات والانتفاضات في حقب متعددة وبقاع مختلفة، وترافقت التغييرات الاجتماعية والسياسية على الأرض، مع تحوّلات وولادات شهدها الفن السابع في كل بلد، بل إنّه أحياناً هو الذي أشعل فتيل التغيير ورسم لهذه التحرّكات صورة المستقبل المأمول. كانت أفلام روّاد «الموجة الفرنسية الجديدة» أمثال غودار، وفرنسوا تروفو، وجاك ريڤيت، وإريك رومير، وكلود شابرول، وآنييس ڤاردا تهزّ فرنسا والعالم. كانت رائدةً في إحداث يقظة سينمائية واجتماعية وثقافية تزامناً مع الثورة الطلابية في الستينيات. في ألمانيا عام 1962، تبنّت مجموعة من المخرجين الشباب «بيان أوبرهاوزن» الذي وعد بسينما ألمانية جديدة. كان شعار البيان «السينما القديمة ماتت، مؤمنٌ بالسينما الجديدة». هذه الموجة سمّيت «السينما الألمانية الجديدة» سرعان ما تبعتها سلسلة أفلام جريئة للمخرجين الجدد أمثال أليكسندر كلوج، وراينر ڤيرنر ڤاسبندر، ومارغريت ڤون تروتا وڤرنر هيرتزوع. وفي بريطانيا، وقف مايك لي وكين لوتش من أجل دور أكبر للسينما الحرة. وفي 1959، أي قبل عشر سنوات من الاضطرابات الثقافية الجماهيرية، اختار المخرج توني ريتشاردسون عنواناً لفيلمه الدرامي عن خيبة أمل الشباب هو «انظر إلى الوراء بغضب». في فلسطين بعد النّكبة، كانت السينما توازي البندقيّة ومن يحمل كاميرا ويوثّق، كمن يحمل السّلاح ويحارب. في اليابان في ستينيات القرن الماضي، قامت مجموعة من صنّاع الأفلام بإحياء السينما اليابانية، فظهرت «الموجة اليابانية الجديدة» في زمن التغيير والاضطراب الاجتماعي والثقافي. أشهر رموزها تاكاشي مانورا وماشاهيرو شينودا وسيجن سوزوكي وهيروشي تشيغاهارا. وفي رومانيا اليوم، جيل من المخرجين ينقّب في تاريخ البلاد المضطرب مثل كريستي بويو، ورادو جود، وكريستان مانغو. أما الفوضى التي أثارتها الأزمة المالية في اليونان عام 2009، فقد أدّت إلى ولادة موجة جديدة في السينما هي «الموجة اليونانية الغريبة» الغرائبية والسريالية التي يمثلها رائدها يورغوس لانثيموس. هؤلاء المخرجون والموجات الجديدة الذين ظهروا بعد الحرب العالمية الثانية، كانوا يعرفون تاريخهم وتاريخ الثقافة والفن في البلاد والتراكمات الفنية التي أتت قبلهم، ويعرفون تماماً موقعهم في هذا التاريخ الفني. كانوا يعرفون أهمية السينما والفن بشكل عام، لذلك كانت أفلامهم وموجاتهم ذات ثقلٍ ثقافي واجتماعي أسهم في إحداث تغييرات كبيرة في المجتمع نفسه.
بالعودة إلى حاضرنا ولبنان، لم تكن السينما يوماً أداةً أو وسيلةً أساسية، خصوصاً بعد الحرب الأهلية. خلال الحرب، لعبت السينما دوراً كبيراً، خصوصاً أنّها كانت تحدوها قضية وأحلام ومشاريع وطنية كبرى. آنذاك، كان مارون بغدادي وجوسلين صعب وغيرهما يؤمنون بدور السينما التي كانت وسيلة لنقل الواقع والتعبير عن أنفسهم وأسئلتهم ومخاوفهم. بمعنى آخر، كانت ضرورية لهم وللمجتمع ككل. بعد الحرب، فقدت السينما اللبنانية الكثير بسبب صنّاع الأفلام أنفسهم والمنتجين. اختلفت الرؤية تماماً وقُزّم الفن السابع ليستحيل مجرد وسيلةٍ للترفيه مع استثناءات لا تتعدى أصابع اليدين. مع العلم بأنّ ذلك الزمن كان فرصةً ذهبية لإطلاق موجة سينمائية لبنانية تستنطق ماضي البلاد وتسأل وتحلّل وتبحث في ما حصل. ولكنّ السينما دُفنت تحت تراب التسويات والعفو العام وشعار «عفا الله عما مضى»، والجميع يريد البدء من جديد من دون حتى الرجوع إلى الوراء لفهم الحاضر.
واليوم في لبنان، يحصل الشيء نفسه: تحركات 17 تشرين وانفجار الرابع من آب والأزمة الاقتصادية والمالية واندثار نمط عيش كامل. كلها شرارة مهمة لإشعال موجة سينمائية. لكن للأسف، لم نبنِ طوال تاريخنا الفني شخصية «وطنية» للسينما، وما نشهده مجرد محاولات فردية لا تعني شيئاً إذا لم تترافق مع عملية تراكم كمّي ونوعي. وهنا بيت القصيد: ما هي السينما بالنسبة إلى المخرجين وصنّاع الأفلام والمصورين وكتاب السيناريو والمنتجين اللبنانيين؟ لماذا نصنع سينما؟ ما هي حاجتنا إليها؟ هل لدينا شيء لنقوله؟ هل نصنع سينما فقط للذهاب إلى المهرجانات أم لأننا بحاجة إليها فردياً وجماعياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً؟
مناسبة الحديث أفلام أُنجزت بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) 2020، وقد طُرحت أخيراً على موقع «أفلامنا» في الذكرى الأولى على المأساة. أفلام بمثابة مساحة للكارثة وللتعبير. أفلام غب الطلب، لا تعني شيئاً على الرغم من جودة بعضها. لا يمكن أن نطلب من أيّ مخرجٍ أن يصنع فيلماً عن شيئٍ معينٍ فقط بسبب ذكرى هذا الحادث أو ذاك. نستعمل السينما في لبنان على أنّها شيء مادي لا يعني شيئاً، لا نمنحها مساحتها ولا دورها الثقافي والسياسي. أفلام اليوم تشبه كثيراً ما نشاهده على التلفزيون، معلّبة سهلة الهضم. السينما أداة تغيير، إمّا أن نحترمها ونعطيها مساحتها أو نتركها ولا ندّعي أنّنا نحبها. لا يمكن تأسيس صناعة سينمائية طالما أننا نتعامل مع السينما كما نتعامل معها اليوم. لا يمكن أن ننتج سينما بـ «المياعة» التي نراها في الأفلام. السينما لا تحتاج إلى مال، فصناعتها اليوم أسهل بكثير، والكاميرات في كل مكان وحتى بين أيدينا. فإما أن نحاول التغيير وطرح التساؤلات من خلالها وإما أن نتركها ولا نتعدّى عليها وندّعي حبّها وفهمها. سؤالٌ أخير بخصوص الأفلام القصيرة الخمسة التي نستعرضها هنا: هل يكفي أن نكون متألمين كي نصنع سينما أم يكون لدينا شيء نقوله عن هذا الألم (الصادق بالتأكيد)؟ جميل أن ندع السينما تعكس الألم، من دون أن نسمعه كموضوع إنشائي. وهذا ما يأخذنا إلى السرد (فويس أوفر) في الأفلام التي نتحدث عنها. فهناك راوٍ في كل هذه الأعمال، وهنا لبّ المشكلة. فـ «الفويس أوفر» من أصعب الأشياء، ويمكن القول بأنّ كريس ماركر هو تقريباً المخرج الوحيد الذي نجح في «الفويس أوفر» في جميع أفلامه. لعلّه ينبغي أن نعلم متى يبدأ السرد وفي أيّ لحظة ومشهد، ومتى علينا الصمت لندع الصورة تتكلم. فالسينما فن مرئي، والكلام الكثير يضعف الفيلم، ويكشف عن ضعف رؤية المخرج السينمائية.

أفلام «بيروت آب 2021»: متوافرة مجاناً على aflamuna.online حتى 23 آب (أغسطس)

«اعلان حرب» (6 د ـــ 2021)
إيلي داغر



لا انفجار ولكنّنا نشعر به. لا ضحايا مضرّجة بالدماء، ولكن الجميع كالذبيحة. الحياة طبيعية، ولكن كل شيء متضعضع. سلام مهيمن، والكرب واضح. حياة طبيعية، ووجوه لا مبالية في وجه الموت. بيروت على ما يرام، ولكنها ليست بخير. في «اعلان حرب» لإيلي داغر، صباح وليل خانقان يرزحان فوق الصدور. وجوه خائفة. سكوت. ابتعد إيلي داغر عن الانفجار، عن الأهوال والحطام والدماء، هرب إلى الداخل. باطنه، وداخل كل شخص عايش 4 آب. صوّر بيروت في الصباح الباكر وقال: «كل يوم ببلش عادي، متلو متل غيرو (...) ونهاية كل يوم بترتاح انو اليوم انتهى». في «إعلان حرب»، بيروت وأهلها موجودون في كل صورة ومشهد. «إعلان حرب» هو الحياة اليومية لبيروت. كعادته، صوّر إيلي داغر المدينة بالكثير من الميلانكوليا تماماً كفيلمه «البحر أمامكم» (2021). نرى بيروت في يوم واحد، من الصباح إلى المساء، وصوت إيلي داغر يخبرنا ويتحدث عن قصة شخصية جداً في الوهلة الأولى، ولكنها عامة جداً.
كأنه يتحدث عن شخص ما بالتحديد ولكنه في الوقت نفسه يتحدث عنا ومعنا كلنا. والأهم أنّه الوحيد الذي رأى المدينة وراقبها وتفحّصها وصوّرها كعادته في فيلميه السابقين «البحر أمامكم» و«موج 98».
«إعلان حرب» فيلم عن أرواح بيروت المعذبة التي تدور في دوامة من الغربة، والوحدة كأنها موتى، بينما لا تزال على قيد الحياة. أشخاص يتخبطون في الفشل، في اليأس، تتضاءل قيمة وجودهم ولكنهم يحاولون استرداد بعض من أنفسهم عبر بعضهم البعض.
أرواح راضية، تسأل لماذا وصلنا إلى هنا؟ تستغني عن الحياة ولكنها تتشبث ببيروت، تستسلم وتسلّم نفسها في أحضان المدينة. هذا عزاؤها الوحيد، حصادها الأوحد في دورة الحياة. هم وبيروت في مكان واحد، في مخاض واحد، اليد باليد في انتظار حميم ومحموم لملاك الموت. والسؤال دائماً «ليش زمطت وغيري لا؟».

«مينارفا» (7 د ــ 2021)
لوسيان بورجيلي



قبل دقائق من انفجار مرفأ بيروت، تبعث مينارفا لابنها رسالة صوتية تقول له فيها إنها تشاهد دخاناً يتصاعد من مرفأ بيروت. بينما نسمع الرسالة كاملةً، يستحوذ المرفأ المدمر على الشاشة كلها. هكذا بدأ لوسيان بورجيلي («غداء العيد» (2017) – متوافر على نتفلكس) فيلمه «مينارفا». توفيت مينارفا، بعد ثمانية أيام من انفجار مرفأ بيروت، إثر تعرضها لإصابات بليغة. ومن يومها، يحاول ابنها جوزيف تسجيلها كضحية للانفجار، يحاول أن يضع والدته ضمن لوائح الشهداء، لئلا تُنسى. النظام «قتل» فينارفا مرتين: مرة في بيتها المحاذي لـ «البور»، ومرة بعد وفاتها بعدم الاعتراف بها. في فيلمه، يخبرنا المخرج اللبناني قصة جوزيف ومينارفا والكثير من الأوراق والشهادات. منذ بداية الفيلم، تخبرنا عينا جوزيف بكل شيء، غضبه في سيارته بينما يبعثر الأوراق ويمسك هاتفه ويتحدث عبره سائلاً: «شو وراق جداد بدنا بعد هلق؟». يؤكد لنا أنه يعيش في العبث الذي يحكم كل شيء، في روتين لا معنى له، ويواجه بيروقراطية قمعية. هنا يتحول الواقع بالنسبة له إلى عالم سوريالي مجرد وخانق نفسياً، بينما تصبح محاولة الفهم محبطة تماماً.
كاميرا بورجيلي لا تفارق جوزيف. عندما يغيب وجهه، تكدّس الكاميرا الأوراق والشهادات التي يجمعها، بينما نسمع كلماته المليئة بالأسئلة. نتعرف إلى مينارفا عبر الصور والتواريخ. وفي مشهد واحد نراها على قيد الحياة، نشعر أنّنا نعرفها، تشبه امهاتنا بضحكتها، بينما تحاول نشر الغسيل. قدم بورجيلي في «مينارفا» قصة قصيرة لم تنته، قصة لا نعرفها، شهدنا فصلاً من فصولها فقط. ابتعد عن الانفجار بطريقة مباشرة، وترك جوزيف يقصّ لنا حكايته ويعرّفنا على والدته، قصة لا نعرفها، قصة ذوي الضحايا الذين ما زالوا يعانون في أروقة مؤسسات الدولة وأوراقها وشهاداتها. دولة تطلب من جوزيف اثبات بأن والدته شهيدة!
مع تقدم الشريط، يتسلل الإحباط، تتراكم المعاناة، تتعب قلوبنا ونتوتر مع انتقال جوزيف من ورقة إلى ورقة بينما يصل دائماً إلى طريق مسدود. نترقب بفارغ الصبر تغيّر الأوضاع. ربما لم تتغير إلى الآن، وما زال جوزيف يحاول. نتركه بينما نقول إنه يجب أن يحدث شيء ما لكي يتحرر، وتتحرر معه نفس مينارفا.

«اضطراب» (6 د ــ 2021)
سارة قصقص



مضطرب فيلم سارة قصقص كعنوانه تماماً، مترنح في بعض الأوقات، ومفتعل في دقائقه الست. «اضطراب» فيلم مشوس، تجريبي، صوره فوق بعض والكلمات المسموعة كذلك. دخان احمر يملأ الشاشة، وصوت سارة تخبرنا كيف بدأ نهارها في 4 آب، بداية لا تعني شيئاً. تكمل الفيلم بصور من الانفجار وصوت الذين عاشوه وصوتها يتحدثون فوق بعضهم البعض، نسمعها كشظايا قصص لا يسعنا التركيز في أي منها.
تقسم سارة شاشتها، كما تقسم القصص. حاولت أن تقدم ست دقائق كأنها مصنوعة في نفس وقت الانفجار، ولكن انتهى بها الامر بالابتعاد بعيداً بسبب كثرة المشاهد والأحاديث. مباشر جداً فيلم سارة، كأنه موضوع انشائي مدرسي عن الانفجار، غير مفهوم. حاولت خلق اللحظة نفسها وغرقت في اصواتها وصورها. زغللة الصورة، اتعبت بصرنا، كثرة الكلمات اتعبت سمعنا، حاولت كثيراً وابتعت عن البساطة، مما اعطى الفيلم الروح المصطنعة وغير الحقيقية، على الرغم من واقعية الحدث. في اللحظات الأخيرة من الفيلم، تحولت النغمة. عادت سارة إلى نفسها. اخبرتنا قصة شخصية جداً، باحت بما في صدرها، عادت إلى طفولتها وقارنت ندوبها بندوب بيروت، وجسدها بجسد المدينة... لتكون اللحظة الوحيدة الصادقة في الفيلم!

«زهور زرقاء عديمة الرائحة تستيقظ قبل أوانها» (6 د ـ 2021)
بانوس ابراهاميان



بالنسبة إلى بانوس ابراهاميان، انفجار بيروت كان بمثابة يوم نهاية العالم. لا عزاء ولا مهرب، فقط مقاطع ومشاهد من بيروت، أو من أجزاء محددة فيها (نهر الكرنتينا الملوث، أسفل الجسور وابراجها...) ومع هذه المشاهد، صوت زهور حمود تخبرنا عن نهاية العالم، وكيف لنا أن نصنع فيلماً عنه. كلمات قليلة ومشاهد واصوات، وفلسفة عن الحياة والموت والانسان والطبيعة. بنغمة تأملية، قدم أبراهاميان فيلمه. نغمة تتماهى مع جو المشاهد والكلمات والاصوات وصمت، كأنه يودع الحياة بنهاية خالية من الاهوال والرعب. صنع ابراهاميان ديستوبيا، بيروت بالنسبة إليه المدينة الفاسدة، لا أحد يمكن النجاة منها إلا البرجوازيون الساكنون في ابراجها العالية. ما شهدناه وسمعناه في الفيلم، لا معنى له... 6 دقائق من لا شيء، فقط كلمات كبيرة مثل ديستوبيا، برجوازيون، نهاية العالم، من دون حتى شرح عن أي من خلفياتها. حشر جمل وكلمات رنانة ولكنها لا تعني شيئاً من دون السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي. كأن إبراهاميان، كتب نصاً ووضع عليه مشاهد وغلّفه بعنوان كبير فقط ليعطي فيلمه عمقاً غير موجود. «زهور ورقاء عديمة الرائحة تستيقظ قبل أوانها» فيلم مصطنع، بلاستيكي، مدّعٍ بعض الشيء ولكنه يبدأ وينتهي وهو في مكانه تماماً.

«ورشة» (6 د ــ 2021)
جان كلود بولس



فكرة فيلم جان كلود بولس «ورشة» عملية جداً. هذا فيلم شخصي يحكي عن انفجار 4 آب. وضع جان كلود بولي الكاميرا بطريقة تمنح المتفرّجين انطباعاً بأنهم يرون المشهد كشخصية في الفيلم، مما يخلق تأثيراً بأننا منغمسون في الحركة ونشارك مباشرة في الفيلم. كل شيء في الشر يط من وجهة نظر جان كلود، نكون معه في البيت ونمشي سوياً في شوارع مار مخايل مع كلبه. من بداية الفيلم إلى نهايته، نحن مع جان كلود نمشي معه ونسمع كلماته. يحدثنا عن الانفجار وإعادة الاعمار وعن بيروت.
«ورشة» غارق في الأنا. هو ليس فيلماً شخصياً بل هو الأنا الواضحة المتعجرفة. صوّر جان كلود نفسه، بيته، كلبه وتكلم عن نفسه وعن الجميع بطريقة المخاطب. على الرغم من تلقائية الصورة التي استعملها، إلا أنّها جاءت غير مرتبة، ولم تخدم الكاميرا الأسلوب الذي اعتمده في الفيلم، كل شيء لم يكن في مكانه، كالمدينة الذي يصوّرها ربما. أكبر فاجعة في الفيلم هي العجرفة التي تكلم بها جان كلود عن الجميع. سخر من فكرة إعادة الاعمار، حتى إنّه سمح لنفسه بأن يتكلم بلسان الجميع ويقول عن اللبنانيين جميعاً بأنهم تماسيح تتقبّل الذل. جان كلود هاجم شخصياً كل واحد منا في الفيلم، صوّر نفسه كأنه يفهم أكثر من الجميع. لذلك، فـ «ورشة» انقلب عليه، ليكون أجمل ما في الفيلم هو كلبه.