في مناسبة عيد الاضحى، وقف «ملائكة» الكورال المدرسي لمؤسسات الامام الصدر من اطفال وفتيات وقفة عز فني مشرفة بإنجازهم الجديد الذي كتبة خصيصاً لهم المُلحن والموزّع الموسيقي راجي مصطفى ونفّذه بقيادة أُخته الفنانة المربيّة المايسترا ديانا مصطفى.قدم الكورال هديته بتوقيت وقوف الحجاج على جبل عرفة. قدّمه الكورال باعتزاز لشعبهم ومدينتهم ووطنهم وسط أزمة ماديه واقتصادية واجتماعية وصحية خانقة جداً جداً وبشكل غير مسبوق في تاريخ لبنان الحديث كأنه يتعمّد أن يقف وسط الجميع عاضاً على الجرح بامكانياتهم الفنية والروحية والمعنوية.
يقف الكورال وقفة عز فني ديني وروحي ليؤدي تهاليل وتراتيل الاضحى باسلوب ومنهج وعمق غير مسبوق بل لا ابالغ بوصفهِ بالمُبتكرة ليقول به أننا لن نسقط.
ادى الكورال إنجازه هذا بتركيب صوتي متجانس هارمونياً بتركيب يتوسل الطبقات الصوتية الاربعة التي تربط باطيافها نشيدين نرددهما عادةً في الاضحى وهما «لبيك اللهم لبيك المُدمج بتكبيرات العيد».
ينهض هذا الانجاز على يدي راجي مصطفى الذي صاغهُ بتفكير موسيقي بوليفوني متطور يحاكي جذور بعض مقامات الموسيقى العربية الاصيلة التي رفضت على يديه التعاطي مع اجترار النشيدين بالاستغراق في صنمية اكل عليها الدهر وشرب ليجتر حنينه المعلوك بالتكرار الى ماضي معلوك بالرتابة التي لا تقبل اجتهاد التحدي امام اصوات العصر التي تطالبنا بالابداع في تطوير عوالم اصوات تراثنا الاسلامي القديم.
وكي لا يمر انجازهم الجديد بلا اضاءة تستحقها اهميته سواء الموسيقية الليتورجة -او الشعبية التراثية اشعر انه من الواجب والضروري شرح هذا الانجاز الغير مسبوق في صياغة الاناشيد الدينية الاسلاميه القديمه التي نتداولها كما هي منذ مئات السنوات.
يتلخص سر الانجاز بمعرفة سبب الاختيار هذين العملين المنفصلين ليتم دمجهما ببعضهما فالنشيد الاول: لبيك اللهم لبيك والثاني الذي هو: تكبيرات العيد يقعان في نفس المقام مما يسهل ضبط ايقاعهما جيداً بتوازن دقيق يسمح بالتحكم بشكل ومضمون نسيج التوزيع الذي يطويهما معاً يإبداع سمح للموسيقي المبدع راجي مصطفى بتجديدهما على اساس التعامل مع مقام الهزام الذي يطويهما بجناح افكارة الراقية والغير مسبوقة.
انجز راجي فكرة الدمج على سرعة Adagio البطيئة، بعدما أتم عمل مقدمة مناسبة مهّدت للدخول على مقام النهوند اولاً ثم ليدخل بعدها بجرأة على الهزام بانسجام لحني مُبتكر على درجة الفا نصف دييز لكي يتناسب مع الطبقة الخاصة بمساحة كورال الفتيات الصوتية من جهة، وعلى المقدمة بِنهوند الري من جهة اخرى.
في هذا العمل تم التركيز على التوزيع بالأصوات البشرية لكي ليكون مناسبا للأجواء الدينية والروحية بتوقيته في يوم عرفة لاجواء الأضحى المباركة.
انجز راجي توزيع هارموني متكامل بأربعة اصوات تناسب طبقات فتيات الكورال مع المقدمة الموسيقية وخلق وسادة خلفية للاصوات البشرية للرجال في الخلفية مرافقة للكورال. تلازما مع وجود لوازم موسيقية بشرية نسائية مرافقة ايضا، إنتقل بعدها راجي الى العمل الرئيسي الأول "لبيك اللهم لبيك" على مقام الهزام على درجة الفا نصف دييز مع اضافة عدة اصوات هارمونية مرتكزة على الصوت الأقل بثلاث درجات من اللحن الرئيسي والصوت الأقل بخمس درجات من اللحن الرئيسي، وأكمل بهذا الخيار الراقي الى نهاية العملين.
في العمل الثاني دمج راجي تكبيرات العيد بإضافة الطبول في الخلفية لتعزيز جو ملحمي للعمل واعطائه طابع الضخامة. هذه الطبول الاوركسترالية الضخمة تم استيحائها من فيلم الرسالة عند دخول المسلمين الى مكة اول مرة بتكبيرات العيد. مرافقة الطبول عندها كانت غير منتظمه وغير مُوَقّعة مع التكبيرات، ولكن راجي أعاد تنظيم الايقاعات لمرافقة التكبيرات بتآلف لافت.
اما تكبيرات العيد عند كلمة "سبحان الله" فأنجز راجي تكرار هذه الكلمة بإضافة هارمونيات مكثفة للتركيز يهدف للوصول بها بفطنة الى ذروة موسيقية قصوى لائقة. وفي اخر العمل تم تكثيف خلفيات الاصوات البشرية واللوازم الموسيقية للوصول بها الى نهاية مناسبة ومكثفة للمستمع.
وأود التشديد هنا على ان هذا العمل هو الاول من نوعة (حسب علمي بالمصادر التي نعرفها) كونه تم بأصوات فتيات وليس الرجال كما جرت العادة، وايضا بأنه تم بصوت كورالي منظم وملائم لكي يكون مناسبا للأجواء الدينية المطلوبة.
ليس مقبولاً ان يمر عمل مقتدر كهذا بصمت دون ان نلفت انتباه اهلنا الذين قد لا تسمح ثقافتهم الموسيقية البسيطة ادراك معنى اهمية هذة التفاصيل المثيرة المبتكرة والواعدة. فإذا كانت الاية الكريمه تقول : " بسم الله الرحمن الرحيم * وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون … " فليس على العارف عندها إلا ان يلفت النظر لاهمية ما يفعله رواداً عارفين مثل الاخوين مصطفى مع فتيات الكورال الذين يترجمون بأصواتهم وتنفيذهم لهذه الافكار الخلاّقه والصعبه، حيث لا يسعنا الا ان يقف احتراماً رافعين القبعة بإكبار لهم جميعاً متمنيين على القيمين عليهم وعلى جرأة أفكار الفنان راجي الطليعية الجريئة ان يعرفوا اهمية تشجيعهم وتثبيت اقدامهم على طريق الدخول بقوة على هذا المجال الموسيقي الانشادي الليتورجي المُحنط بصنمية الماضي المغلق باجترار التراث بما لن يفضي بنا الى أي شيئ سوى التحجّر امام عصر يسير بنا بتسارع مخيف الى آفاق علميه تتطور بغزو الفضاء والوصول الى المريخ. هل نبقى نراوح انفسنا ثابتين في التعامل مع تراثنا وكأننا نحيا الجديد ثابتين في العصر الحجري ؟!.
لابد من وقفة عرفان وتقدير لجهود هذا الكورال بقيادة الاخوين الفنان الموسيقي والموزع راجي وأخته المايسترا ديانا مصطفى.