الحديث عن «المعهد العالي للفنون المسرحية» شائك غالباً، خصوصاً بعد أن مرّت عليه دفعات سيئة، وتعاقبته إدارات مهلهلة! لكنّ منذ فترة، يمكن القول بنوع من الثقة، إنّه ربما بدأ يستعيد عافيته. على الأقل بعض أساتذته يدأبون على خلق جسور واضحة بين الطلّاب والجمهور، والمتخصص منه على وجه التحديد. وذلك من خلال الامتحانات العملية للطلّاب. يرفضون فكرة أن يظلّ صرحاً تعليمياً يجافي الشارع مثلاً. الفحص العملي يصاغ على شكل «كولاج» من مجموعة عروض مكرسة، أو إعادة صياغة لشخصيات خالدة في المسرح العالمي، وتقديمها برؤية معاصرة مختلفة من دون محاكمتها نقدياً بأي شكل على أنّها عروض احترافية. قبل فترة، كان علينا أن نبذل جهداً صريحاً للتمييز بين طلاب السنة الثانية والمحترفين بفن التمثيل بعد اختبار الأنماط الذي قدّمته مشرفتهم الممثلة المعروفة مريم علي. ويوم أمس الخميس، أتيح لحوالى 50 شخصاً حضور اختبار طلاب السنة الثالثة، الذين يشرف عليهم أحد روّاد المسرح السوري وأهم أساتذة المعهد العالي، فايز قزق. بدا واضحاً من خلال خمسة مشاهد طويلة تود صوغ مفردات مسرحية من عروض سورية معروفة، أنّ الأستاذ أراد أن يختبر المقدرات الأدائية لدى طلّابه بأعلى حالاتها. صراخ، عويل، بكاء وانفعالات زائدة.. من دون أن تنخفض لياقة الطالب أو تتبدّد طاقته. هذا «تكنيك» مهم لتسلّم أحد المفاتيح الجوهرية في فن الأداء المحترف. فجأة، يطلّ أحد الطلّاب على دوره، يبدو شبهه كبير مع النجم أيمن رضا، لدرجة أنّه يضعنا وجهاً لوجه مع سنوات شباب الممثل الستيني الذي راكم تاريخاً عامراً بالدهشة. يلفتنا الشبه إلى حدّ كبير. ندقق أكثر في البروشور لنعرف أنّ الطالب هو وسام أيمن رضا! يقطر الشاب موهبة وحماساً. لذا، يجني حصة من الضوء، ويترك الباقي لزميلته سارة بركة. الصبية «المانيكان» وضعها معلّمها في سياق ينسجم بالمطلق مع هيئتها البرّانية، فتتألق. من المبكر الحديث عن مقدرات تنويعية متباينة للحد الأعلى بروح التجسيد، لكن الأرض خصبة والبراعة التمثيلية واضحة عند الطالبة التي تتحكم بثبات بطبقة صوتها. تنأى بنفسها عن اللعب الخارجي الذي ركّزت عليه المشاهد وبقية الطلاب. وتجيد حركة ومرونة بليغة. كما أنّها تخّلف إحساساً عميقاً بما تقوله.الخلاصة تفيد بأنّ المعهد لا يزال ولّاداً، وطلّاب فايز قزق في نسبة كبيرة منهم يمشون نحو مطارح آمنة.