تقول مراجع عن الموضوع إن الكِتابة المرآتية أو الكتابة المرآة، أو الكِتابة المعكوسة نمط من الكتابة يقوم على الكِتابةِ عكس الاِتِّجاه الأصلي للغة المرادة، ما يُنتِجُ صورة معكوسة لِلنص، وتظهر واضحةً عند عرضها في المرآة. حالياً، تستخدم الكِتابة المعكوسة على سيّاراتِ الخِدمةِ العامّةِ حيْث تجد مثلاً كلمة «إسعاف» مكتوبة بشكل معكوس كيْ تظهر الصّورة واضحةً في مرايا المركبات أمامها. يستطيعُ عدّة أشخاص الكتابة بعكس الاتجاه، وهذه الطّريقة لوحظت عند ليوناردو دا فنشي، حيْث كتب أغلب ملاحظاته الشخصية بهذه الطريقة، بينما أصبح هذا النمط الخطي مشهوراً في زمنِ الدولة العثمانيّة، والذي كثيراً ما كان يحمل رسائل مبطّنة.
مصباح جامع قتاهية عليه مثنى «يا حبيبي انظر في حالي»

ونعثر على «المثنى» في وسائط متنوعة تراوح بين الهندسة المعمارية والمنسوجات والبلاط إلى الورق والأعمال المعدنية والأعمال الخشبية. مع ذلك، ورغم تاريخها الممتد لقرون وشعبيتها من إيران إلى الأندلس، ظلت الدراسات المتخصصة في هذا الأنموذج محدودة. ولذلك، يقدم كتاب «المثنى/ الكتابة المرآتية في التخطيط الإسلامي: التاريخ والنظرية والجماليات» (منشورات جامعة انديانا ـــ 2020) دراسةً شاملةً للنص وأشكاله، بدءاً من شرح المبادئ والتقنيات المرئية المستخدمة في إنشائه. صاحبة هذا المؤلف الثمين إسراء أكين-قيونش، بروفسورة مساعدة في «جامعة ساوث فلوريدا» الأميركية لمادة وتاريخ الفن، تستكشف علاقة المثنى بأشكال مماثلة من الكتابة في السياقات اليهودية والمسيحية، فضلاً على السياقات الإسلامية التي وصلت فيها الكتابات العاكسة على نحو متماثل إلى مرحلة النضج الكامل، وتم تخصيص معانٍ جديدة لها، وتحويلها إلى أشكال بصرية أكثر تعقيداً، دوماً وفق الكاتبة. وهي تحلّل في الوقت نفسه على نحو تخيلي العلاقة الضمنية بين المادة والموضوع في المثنى من خلال فحص وجهة نظر الفنان والمشاهد والعمل الفني بما يوضح الروابط الحيوية بين الشكل الخارجي والمعنى الداخلي في ما تطلق عليه «الخط الإسلامي» [كذا!].
تقول الكاتبة إن هدف عملها تعريف الكتابة المرآتية ومكوناتها الشكلية والأسلوبية المختلفة وتوضيح التعريفات الخاطئة الشائعة للشكل الفني والمساعدة في تمييزه عن أشكال الكتابة الأخرى، بما يقود إلى أسئلة أشدّ تعقيداً في ما يتعلق بالتكوين والوظيفة والمعنى. على سبيل المثال، ما مصدر الكتابة المرآة؟ وما الأشكال والممارسات الفنية التي ألهمتها ربما؟ وهل اعتُبرت شكلاً من أشكال الفن منذ البداية، أم كان إنشاؤها نتيجة مصادفة محظوظة؟ إذا تم إنشاؤها قصدياً، فما المعاني التي نُسبت إليها، إن وجدت، في سنواتها الأولى وفي القرون التي تلتها؟ أخيراً وليس آخراً، ما الذي يشرح اتفاق الممارسين بالإجماع على محتوى المثنى، كما لو أن قراراتهم تم تنسيقها من قبل سيد واحد أشرف على عملهم عبر قرون وجغرافيات عدة؟
مثنى توكلي على خالقي في خاتم السلطان سليم الأول

لا شك في صعوبة الوصول إلى إجابات حاسمة عن ذلك وغيره من الأسئلة. رأت الكاتبة أنّ أفضل طريق للإجابة عن بعضها يكمن في استعراض تاريخ الكتابة المرآتية. وهنا أسمح لنفسي إيراد اقتباس مطول مما سجّلته الكاتبة في هذا الخصوص: «تغيّرت الاتجاهات في العديد من النصوص القديمة تغيراً كبيراً، وظل الاتجاه غير ثابت في بعض اللغات حتى العصر الحديث. كانت الكتابة المسمارية مجرد نص واحد خضع لتغيير جذري. بحلول منتصف الألفية الثالثة أو بداية الألفية الثانية قبل التأريخ الشائع (ق ت ش)، بدأ الكتبة فجأة في كتابة معظم الصور التوضيحية كما لو تم إسقاطها إلى اليسار، في إعادة محاذاة تسعين درجة، ولم تعد النصوص مكتوبة من اليمين إلى اليسار عمودياً، لكن من اليسار إلى اليمين أفقياً. حدث تحوّل مماثل في الكتابة السومرية المبكرة: حتى بداية الألفية الثانية ق ت ش، كان الكتبة يكتبون من اليمين إلى اليسار، واعتمدوا بعد ذلك الاتجاه من اليسار إلى اليمين الذي كان يسير في خطوط أفقية... أما الكتابة الهيروغليفية والخط الكنعاني البدائي، فلم يحافظا على اتجاه ثابت؛ فمع أنه يمكن قراءة الأولى من اليمين إلى اليسار أو بالعكس، وبعض النصوص تسجَّل من أعلى إلى أسفل، كان الخط البدائي الكنعاني مكتوباً رأسياً وأفقياً ومن اليمين إلى اليسار، إضافة إلى البسترفدن (boustrophedon) (حرفياً: مثل محراث الثور، أي عكس الاتجاه مع كل سطر). ولا يتم في الأخير تناوب اتجاه الخطوط فقط، لكن اتجاه الحروف والكلمات بالتناوب بين مستقيم وعكس؛ من اليمين إلى اليسار، أو حتى عكس كل خط آخر أيضاً... وفي بعض الأحيان حلزونياً». استمر تعدد الاتجاهات في «أحفاد» اليونانية مثل اللاتينية والكيريلية والإترورية، لكن بحلول القرن السادس ق ت ش، كان معظم الكتبة يكتبون من اليسار إلى اليمين على كل سطر متتالٍ، وهي طريقة حلّت في النهاية محل كل الأشكال الأخرى. رغم انتشار تعدد الاتجاهات في الكتابة وأسباب الكتبة لاختيار التوجهات البديلة والمتناوبة، لم يتم التعامل معها على نحو كافٍ في المصادر الأولية. لكن ثمة إشارة نادرة للموضوع في «الفهرست» لابن النديم، حيث روى الكاتب عن جعفر بن المكتفي هذا التعليق على النص اليوناني: «السبب الذي من أجله تكتب الروم من اليسار إلى اليمين أنهم يعتقدون أن سبيل الجالس أن يستقبل المشرق في كل حالاته، فإنه إن وجه إلى المشرق يكون الشمال على يساره، فإذا كان كذلك فاليسار تعطى اليمين، فسبيل الكاتب أن يبتدي من الشمال إلى الجنوب.... قال وللروم قوانين في الخط ورسوم منها الحروف المتعاقبة من الأربعة والعشرين وهي.... هؤلاء أمة بين رومية والافرنجه يقاربهم صاحب الأندلس وعدد حروف كتابتهم اثنان وعشرون حرفاً ويسمى الخط أفيسطليق يبتدئون بالكتابة من اليسار إلى اليمين وعلتهم في ذلك غير علة الروم، قالوا ليكون الاستمداد عن حركة القلب لا عليه. وأما الكتابة عن اليمين إنما هي عن الكبد على القلب». تعلّق الكاتبة على ذلك بالقول: «هذا المنطق، رغم صحته، لكنه لا يفسر التعايش بين الاتجاهات المختلفة على نفس السطح، ولا لتفضيلات الكاتب الفردية، كالتي وجدت في مزهرية دوينس Duenos Vase Inscription (7-5 BCE)) على سبيل المثال» (انظر الرسم المرفق).
يستكشف الكتاب علاقة المثنى بالكتابة في السياقات اليهودية والمسيحية


نختم عرضنا هذا بملخص الكاتبة لعملها الذي قسمته إلى جزءين أولهما «تاريخ الكتابة المرآتية/ المرآة» الذي يحوي كل منهما بضعة فصول، بالقول: «يقدم الجزء الأول تاريخاً للكتابة المرآتية، بدءاً من أواخر العصور القديمة. الفصل الأول (وجهات نظر: دراسات أكاديمية سابقة عن الكتابة المرآتية)، يستعرض الأدبيات والقضايا الخطابية المحيطة بالكتابة المرآتية. يقدم الفصل الثاني (أسس: ممارسة الكتابة المرآتية) تعريفاً عملياً لشكل الفن (تحديد نصه وموضوعه ووسيطه وتقنيته ولونه وتركيبته وأسلوبه الخطي) ويميزه عن غيره الأشكال التي غالباً ما يتم الخلط معها. الفصل الثالث (التوجهات: الكتابة المعكوسة والمكررة في النصوص غير العربية والعربية) يلخّص اتجاهات الكتابة في النصوص السابقة وغير الإسلامية. الفصل الرابع (تقاربات: الكتابة المرآتية باللغتين اليونانية والعربية) يقدم الأنموذج الأول للمثنى من خلال دراسة أقدم الأمثلة المعروفة في اللغتين، المناقشات في أجزاء النسيج حيث يتم وضع النقوش العربية جنباً إلى جنب مع الأيقونات الوثنية والمسيحية. يسلط الضوء على القيم الجمالية والممارسات اليومية المتداخلة للشعوب ذات التقاليد الدينية المختلفة. الفصل الخامس (الانحرافات: الكتابة المرآتية في اللغة العربية) يغطي الفترة الوسيطة للكتابة المرآتية مع أمثلة من العراق وإيران ومصر والأندلس، مما يكشف العلاقة الحميمة والترابط، في البداية وفي الحياة لما يتخيّله بعضهم على أنه ممارسات فنية متميزة وغير متوافقة بين الوثنية والسامرية واليهودية والمسيحية، والجاليات الإسلامية المبكرة.

قطعة تفتة تحوي اسم الرحمن معكوسة أفقياً. (ألميرا 1100-1150)

يقدم الجزء الثاني «نظرية الكتابة المرآتية في الفن الإسلامي» من خلال المناقشات المنهجية للأعمال الفنية بدءاً من أوائل القرن الخامس عشر. الفصل السادس (تأملات: المرايا في الدراسات الإسلامية) يبدأ بملخص للدوافع الكامنة وراء إنشاء تركيبات المرآة كما اقترح العلماء السابقون، أي الرعب الفراغ (خوف شرقي ظاهري من الفراغ)، رغبة مفترضة من أشكال الخط التقليدي، وحظر إسلامي مزعوم للصور التصويرية دوماً بحسب الكاتبة. الفصل السابع (إضاءات: خطاب جديد في الكتابة المرآتية) هو تتويج للحجج الرئيسة للمؤلف. بدلاً من الاشتراك في مسار منهجي واحد ضمن حدود مثبتة بدقة، تقدم الكاتبة هنا قراءة نظرية للكتابة المرآة عند تقاطعات الخطابات الأنطولوجية واللغوية والتاريخية والعلمية واللاهوتية التي يتشارك المثنى بها في الفن الإسلامي. يهيئ هذا التفسير القارئ للمناقشات التفصيلية للأعمال الفردية في الفصول الثلاثة الأخيرة. الأعمال باستخدام الحرف العربي «و» هي موضوع الفصل الثامن «اتجاهات: مثنى الحرف الواحد». الفصل التاسع (الاستقبالات: المثنى متعدد الأحرف والكلمات) مكرس لتحليل الأعمال الفنية بمكونات نصية متعددة مرتبة في تراكيب معقدة. الفصل العاشر والأخير (إسقاطات: نُظَّار الخط والتنقل) خصصته الكاتبة لمجموعة من فناني المثنى الذين يمثلون ردود أساتذة الخطاطين، أو النُّظار، على أعمال أسلافهم. تعد هذه الحوارات المرئية بين القلائل المختارة ذات أهمية خاصة، لأنها تكشف عن التزام الفنانين بالتقاليد ورغبتهم في تمييز أسمائهم في التاريخ كمبدعين. يبرز الموقف المزدوج الذي يؤكده هؤلاء الأساتذة، أهمية فهم المثنى من حيث أنه استمرارية ديناميكية في تاريخ الخط الإسلامي بدلاً من كونه انحرافاً، كما اقترح بعضهم. لوحظت هذه السلسلة المتواصلة أيضاً في الظهور المتكرر لبعض المؤلفات في أمكنة مختلفة، مثل اسطنبول وأدرنة، وديموتيقة، ما يشهد على تنقل التصميمات، وربما الفنانين أنفسهم، وتسلط الضوء على التصميمات المتنقلة، وعلى الاختلافات الإقليمية في الأسلوب والمحتوى للحصول على تحليلات أكثر تركيزاً.

حصرت الكاتبة مناقشاتها في الفصول الثلاثة الأخيرة («اتجاهات: مثنى الحرف الواحد»؛ و«تقبل: الحروف المتعددة والكلمات المتعددة في المثنى»؛ وأخيراً «إسقاطات: نُظَّار الخط والتنقل»)، بالأعمال التي تعبّر عن لغة جمالية عثمانية مميزة. الخاتمة التي تحمل عنوان «تأملات»، تنظر في الممارسات المعاصرة في الكتابة المرآتية والآثار المترتبة على اختلافها عن مفاهيم عصر ما قبل الحداثة وممارساته. وتهدف الخاتمة إلى مناقشة الجدل الدائر حول ممارسة كتابة اسم الله معكوساً إلى ترك القارئ بسؤال نظري يشير إلى بحث المؤلف الرئيس عن معنى المثنى ووظيفته.
على الرغم من محاولته تغطية مناطق جغرافية واسعة وفترة تاريخية طويلة، إلا أنّ الكتاب لا يتظاهر بالإجابة على جميع الأسئلة المتعلقة بالمثنى ويترك مجالاً للدراسات المستقبلية ومنها سبب عدم انتشار الكتابة المرآتية في مصر باستثناء فترة في عهد السلطان المملوكي قلاوون عندما أصبحت الأقنعة التي تحمل أسماء السلطان وألقابه في المثنى رائجة، دوماً بحسب الكاتبة. مؤلف طليعي وثمين يقدم دراسة شاملة عن المثنى حيث لا تكتفي الكاتبة بتناول أشكاله فحسب، وإنما تقدم أيضاً باختصار مفيد تاريخ المثنى في مختلف اللغات والمعاني، إضافة إلى معانيه المختلفة وسيكولوجية الخطاطين، وكذلك أسماء بعض أشهرهم. الملاحظة الأخيرة أنّنا لا نفهم إصرار الكاتبة على وصف الكتابة بأنها إسلامية وتفادي وصفها بأنها عربية، أو لنقل: «إسلامية» بأبجدية عربية خالصة.

MUTHANNA / MIRROR WRITING IN ISLAMIC CALLIGRAPHY: History, Theory, and Aesthetics. Indiana university press 2020. extent: i-xii, 352 pages, 47 b/w, 35 colour illustrations. ESRA AKIN-KIVANÇ