في شباط (فبراير) 2020، نُظّمت الدورة الأحدث من مهرجان «بيروت آند بيوند»، وكانت محلّية لسببين كما تشرح مديرة المهرجان أماني سمعان لـ «الأخبار»: «كان ذلك قبل كورونا وبعد مرور أشهر على بداية الثورة، فلم نود أن نخاطر وندعو أشخاصاً من الخارج، كما شعرنا بضرورة التركيز على الساحة المحلية أكثر، وكيفية مساعدة الفنانين المحليين وأماكن إقامة الحفلات هنا. لذا نظّمنا ليلتين فقط، مع 24 فناناً لبنانياً توزّعوا على 12 مكاناً. بعد كورونا وتوالي الأحداث وتفجير المرفأ، رأينا أنّ لا ضرورة الآن لدعوة فنانين من الخارج وإقامة الحفلات، بل من الأفضل التركيز أكثر على الموسيقيين في لبنان وكيفية دعمهم في هذه المرحلة. لذا أتينا ببرنامج دعم للموسيقيين في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وهو كناية عن دعم للعاملين في مجال الموسيقى على المدى القصير والبعيد. اخترنا 20 طلباً من أصل 100 وصلتنا، وكان المفترض أن يؤلف الفنانون موسيقى أو أغنية جديدة، أمّنا لهم تكاليف إنجازها، كما كان الإنتاج في استديوهات لبنانية دعمناها أيضاً. الهدف من مشروع مماثل هو الترويج للموسيقيين ومساعدتهم على نشر موسيقاهم في لبنان والعالم. كما سيُسَجّل الموسيقيون بعد الانطلاق في الـ«ساسيم» (جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى)، لكي يكون بإمكانهم الحصول على حقوق النشر في أعمالهم اللاحقة أيضاً».
ساندي شمعون


ليليان شلالا

ولكن على أي أساس اختير الفنانون العشرون؟ وما هي المعايير التي اعتُمدت، خصوصاً في ظلّ التفاوت بين الخبرات والأسماء والأنماط الموسيقية التي يضمّها الألبوم؟ إجابة عن هذا السؤال، تؤكد سمعان: «كانت هناك لجنة من سبعة أشخاص هم ياسمين حمدان وخيام اللامي، الذي أسّسنا بفضل مساندته برنامج دعم الموسيقيين، وألكسندرا أرشيتي، مديرة «مهرجان أوسلو» التي تعرف «بيروت أند بيوند» منذ تأسيسه، إضافة إلى سودابيه كيا، وطارق يمني، ورشا صلاح، ولارا خوري. حرصنا على أن يكون هناك تنوّع في اللجنة، لكي ينعكس ذلك على خيارات أردناها مختلفة من ناحية الأصوات والأنماط». اعتمدت اللجنة على جودة الموسيقى التي قدّمها المتقدّمون بطلب المشاركة في الألبوم، إذ كان عليهم إرسال نماذج من أعمال سابقة، وعلى القدرة التي يتمتعون بها كموسيقيين. وتضيف سمعان: «التزمت اللجنة بالمناصفة في عدد الرجال والنساء، وهو أمر لطالما حرصنا عليه في المهرجان. لم نتردّد في المخاطرة واختيار فنانين قد لا يكونون معروفين، ولكنهم يتمتعون بالموهبة بحسب اللجنة، كما أردنا أن نعطي أوسع فكرة عما هو موجود في الساحة الموسيقية اليوم».
يُفتتح ألبوم «بيروت 20/21» الذي صدر أخيراً، بأغنية «نيترات» لأحد الأسماء اللامعة في عالم الراب، جعفر الطفار، البقاعي اللهجة الذي يستخدم لغة مباشرة لاذعة للتعبير عن الواقع، مازجاً ميوله الشرقية بإيقاع الراب. يقول الطفار في حديث إلى «الأخبار»: «كنا نعمل على هذه المقطوعة مع (الرابر) «أسلوب» بعد الانفجار واستغرقت الكثير من الوقت بسبب الظروف التي كنا نمرّ بها، ثم أرسل إليّ أحدهم رابط دعوة «بيروت أند بيوند» الفنانين إلى المشاركة في الألبوم، علماً أنني كنت أعمل معهم على حفلة قبل أن يغلق البلد بسبب انتشار فيروس كورونا والانفجار. وكان القيّمون على الحدث لطفاء فتقدّمت بطلب وقُبل. الأغنية لم تكن مخصصة للألبوم في البدء، وارتبطت بالأحداث التي أصابتنا». كان للانفجار الرهيب الذي هزّ العاصمة والبلاد آثاره السلبية على الفنان. مرّت أشهر لم يتمكّن من التركيز خلالها من أجل الانتهاء من عمله. «خمسون دقيقة للخروج من المنطقة كانت أشبه بخمسين سنة» يقول. اللافت في الأغنية هو التجديد الذي عمل عليه الطفار و«أسلوب» من ناحية الجمع بين الموسيقى الشرقية وإيقاع الراب. كما يشرح المغني: «الراب عادة مقسوم إلى أربعة، في حين أن الإيقاع هنا منقسم إلى ثلاثة، وهو مستخدم في الأغنيات الشعبية، في ما يمكن اعتباره عملاً تجريبياً».
العمل الثاني المندرج في الألبوم أغنية «سيرة الرعب» لساندي شمعون التي تخبرنا بأنّ ما دفعها إلى التقدم من أجل المشاركة في الألبوم كان «الحجر المنزلي الذي كنت أعمل خلاله على ألبومي. شعرت أنّ الخروج من المزاج الذي كنت فيه قد يكون فكرة جيّدة وفرصة للعمل على ما هو مختلف تماماً. شعرت بالحماسة وبالخوف في الوقت نفسه، لأنه كان من المفترض أن ننتهي من العمل في وقت قصير. فكان التحدي كبيراً، خصوصاً أنّ خبرتي في الإنتاج الموسيقي حديثة. وقع اختياري على نص قديم استخدمته في مشروع تخرّج من المسرح، للكاتب المسرحي الألماني هاينر مولر، الذي ترجم له جنيد سري الدين مسرحيته «هاملت ماشين». بعد مرور عشر سنوات، شعرت بالفرح لتأليفي موسيقى هذا المشهد الذي أدّيته. خلافاً لما قد يوحيه العنوان، «سيرة الرعب» ليست عن حياتنا، بل عن كل النساء اللواتي يتعرّضن لأنواع مختلفة من العنف وهن في انتظار الانتقام. في نص هاينر مولر، يلجأ إلى شخصيات مثل «ميديا» ويصف كيف ستنتقم من زوجها الذي خانها ولذا استخدمتها».

جعفر الطّفار


سماح بو المنى

المهرجان منفتح في المبدأ على الأنماط الموسيقية كلّها، وتأرجحت خياراته بين الشرقي والإلكترونيك والتجريبي، مع أن النمط الكلاسيكي غائب نوعاً ما من التشكيلة. ذلك لم يحُل دون انتقاء عازفين أو موسيقيين آتين من عالم الكلاسيكي. في هذا الصدد، تشرح سمعان: «لا شك في أن الموسيقيين في لبنان يتّجهون حالياً إلى الإلكترونيك واستخدام الـ«سنثسايزر» في معظمهم. ولكننا نحاول أيضاً الحفاظ على بعض الموسيقى الآلية. أعتقد أنّ سبب التهافت على الموسيقى الإلكترونية هو أولاً سهولة الوصول إليها وإمكانية أوسع للتنويع والتجربة في الأصوات، ومساحة حرية في الموسيقى. كما أنّ هناك توجهاً عالمياً حالياً صوب هذا النمط، خصوصاً أنّ تطور التكنولوجيا أصبح في خدمة الموسيقى».
كل ما أصاب اللبنانيين من خيبات وصعوبات لا تُحصى وغلق الأبواب في وجه العاملين في المجال الفني والموسيقي خصوصاً، لم تدفع منّظمي المهرجان إلى الغرق في اليأس. تقول أماني سمعان: «عددنا قليل كفريق عمل. بعد التفجير، انتقلت إلى فرنسا ولكن الهدف أن أستمر في العمل في «بيروت أند بيوند» في حين أكمل دراساتي العليا في مجال الإدارة الثقافية. الهدف أن أؤسّس لـ «بيروت أند بيوند» بين بيروت وباريس، لكي نوسع النطاق. نستفيد من الوقت الحالي من غياب الحفلات لنطوّر البنى التحتية للمهرجان والموسيقى. لم يكن قرار الاستمرار سهلاً. ومغادرة لبنان ساعدتني لكي أستمر في العمل».
يُفتتح الألبوم «بيروت 20/21» بأغنية جعفر الطفار، أحد الأسماء اللامعة في عالم الراب


بينما اتجه بعضهم إلى إيجاد البدائل للحفلات الموسيقية المباشرة، كتلك التي تُنظم عبر الإنترنت، كانت هناك قناعة عند القائمين على «بيروت أند بيوند» بضرورة تجنّب كل ما يحلّ مكان الحفلات الحيّة. برأي سمعان «لا بأس بأن تكون الموسيقى في متناول الجميع، لكن الأهم هنا ألا يعتاد الناس على كل ما هو مجاني، فيترددون لاحقاً في شراء البطاقات لحضور حفلة فنان ما. فالموسيقى هي صناعة في النهاية، وعلينا شراء موسيقى هذا الفنان الذي يعتمد على عمله لكي يعيش ولا يضطر لفعل أمور أخرى من أجل جني المال. ثم شعرنا أن الجودة لم تكن تؤخذ في الاعتبار. كما أن الناس قد يبدأون بمتابعة الحفلة، ثم ينتقلون إلى أمر آخر من دون إكمالها لأنها مجانية. إضافة إلى ذلك، طلب عدد من المؤسسات من الموسيقيين إقامة الحفلات من دون مقابل أو حقوق نشر. لو كانت هناك طريقة منظّمة كما في النرويج، لكنّا خضنا التجربة ربما. الهدف ليس فقط تسيلة الأشخاص، لأن الموسيقي بحاجة أيضاً إلى أن يعيش من عمله. فكان الأفضل لنا التوقف لبعض الوقت. هذا العام أيضاً، لن نقيم مهرجاناً لأن هناك حاجة للتركيز محلياً. من المفترض أن ننظم حدثاً في آذار (مارس) أو نيسان (أبريل) 2022 لفنانين محليين، على أن نعود بدءاً من كانون الثاني (يناير) 2022 إلى إقامة الحفلات».

* «بيروت 20/21» متوافر عبر جميع المنصات الرقمية



المشاركون في الألبوم
المشاركون العشرون في ألبوم «بيروت 20/21» هم: آية متولي، شي طيّب، داني شكري وطارق خلقي، إليز تابت، جعفر الطّفار، جاد عطوي، جنى وسكارلت، خالد عمران، كيد فورتين، كِنِمَتِك، كوزو، ليليان شلالا، ميلمو، بيرلا جو، رَست، سماح بو المنى، ساندي شمعون، وأندرلند، سارج يارد، ويارا أسمر.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا