«داعش التي تنام بيننا (الإسلاميون والأصولية وأفق التنوير) مقالات في تفكيك الاسلام السياسي» كتاب صدر حديثاً عن «دار آفاق برسبكتيف» في تونس للدكتور علي العمري (1965)، وهو من ضمن أبرز العناوين في النسخة الثالثة لـ «المعرض الوطني للكتاب التونسي» الذي تحتضنه «مدينة الثقافة الشاذلي القليبي» منذ 17 الحالي. هذا الكتاب مجموعة من المقالات ذات المنحى الفكري التي تفكّك المنظومة التي تستند إليها «داعش» التي يعتبر الباحث علي العمري أنّها ليست تنظيماً ارهابياً يعيش في كهوف الجبال والصحراء، بل منظومة تفكير لعدد ممن يعيشون بيننا الذين يكشفهم الجدل حول بعض القضايا المتعلّقة بالحريات والمرأة مثل المساواة في الارث والمثلية الجنسية وافطار رمضان وغير ذلك. يقول علي العمري في هذا الصدد: «المتأمل في الواقع المحيط بِنَا يلاحظ بيسر انتشار موجات من الفكر المحافظ ضمن فئات المجتمع المختلفة، بما فيها المتعلّمة، تظهر على السطح في كل مرّة يفتح فيها النقاش حول قضايا ثقافية تمسّ المجال الهووي أو الجندري الأثيرين عند القوى المحافظة والأصولية، كقضية المساواة بين النساء والرجال في الميراث أو الموقف من التبني أو المثلية الجنسية وغيرها من القضايا». ويضيف في السياق عينه: «ليست داعش جيشاً من المقاتلين الحالمين بنعيم الجنّة و«عسلها المصفّى» وحوريّاتها الناعمات، بل هي، في المقام الاوّل، فكر يحمله أناس يجلسون بيننا ويجادلوننا، ولا يجدون حرجاً في تكفيرنا وشيطنة حياتنا وأنماط لباسنا ولغتنا». ويكشف علي العمري في كتابه التباس مشروع التحديث في تونس الذي يعتبره مشروعاً متردداً زمن الزعيم الحبيب بورقيبة (1903-2000) في مقال بعنوان «هل كان بورقيبة تنويرياً حقّاً أو الحداثة الملتبسة». ويعتبر أن نقد المشروع التحديثي التونسي ليس تشكيكاً في دوره ولكن من أجل استئناف هذا المشروع الذي تعطّل لأسباب عدة منها وجود حركة «النهضة» وقيادتها لمشروع مضاد سمّاه «الأسلمة الناعمة» واعتبر علي العمري في كتابه أن ما يعرف بـ «الربيع العربي» مكّن الاسلاميين من تثبيت مشروعهم القائم على أخونة المجتمع من خلال مجموعة من المشاريع منها صندوق الزكاة، والدعوات لتطبيق الشريعة المناقضة للدولة المدنية. كما توقّف عند مجموعة من المعارك خاضتها النخبة التونسية ضد الأسلمة الناعمة التي تقودها حركة «النهضة». من ذلك حربها على «الاتحاد العام التونسي للشغل» الذي كان طيلة تاريخه منحازاً للقوى التقدمية والحداثية.
علي العمري في هذا الكتاب المثير لحرائق السؤال يطرح تشخيصاً للعقل الاسلامي وحاجته إلى تنوير جديد. ويعتبر أن «العقل الاسلامي يعيش حالة إنكار مرضية لتلك المأساة، تتجلى في رفض الاعتراف بالواقع والتعامي عن الحقائق التي ينطق بها المشهد التراجيدي الماثل أمام العيان والأذهان، في عملية هروب يائسة من أعباء الاجابة عن أسئلة الواقع، بالاختباء وراء أوهام الايديولوجيا، والتهرّب من الواجب المعرفي والأخلاقي الذي يقتضي مواجهة الإشكاليات الفكرية التي يطرحها ذلك الواقع.
يعتبر علي العمري أن الوعي التاريخي الذي يعمل على تقويم الماضي/ التراث على ضوء الحاضر، هو الشرط الأول للدخول في أفق التنوير. من دون ذلك، لا يمكن الحديث عن مشروع تنويري. علماً أنّه قسّم الكتاب إلى ثلاثة أبواب هي: التشدُد الديني في تونس، والإسلاميون زمن الثورة، وتونس ومعركة الحداثة المؤجلة.