عيد الموسيقى، كما عهدناه في لبنان، كانت تدور فعالياته الأساسية في شوارع الوسط التجاري لبيروت وضواحيه. فهو يقع على مشارف الصيف في 21 حزيران (يونيو) كما حدّده مطلقه عام 1981، وزير الثقافة الفرنسي جاك لانغ، وتبنّته تباعاً دول كثيرة، من بينها لبنان.

السنة الماضية، لم يكن فيروس كورونا في هذه الفترة من السنة قد انتشر على نطاق شديد الخطورة عندنا، لكنّ خوفنا منه، كنتيجة طبيعية لجهلنا النسبي له، فرض على منظّمي عيد الموسيقى (المعهد الفرنسي) شكلاً جديداً، تماشياً مع إجراءات الوقاية المعمّمة من وزارة الصحة اللبنانية من منع التجمّعات، إلى إقامة الحفلات في الأماكن المغلقة أو العامة. هكذا، أعلن المنظّمون أن عيد الموسيقى قائمٌ رغم الوباء، لكن «ع البلكون»، داعين الموسيقيين والمغنين، الهواة منهم والمحترفين، إلى المساهمة في إحياء العيد السنوي، كلٌ من على شرفته، واستطراداً، في حديقة منزله أو على «تيرّاس» أو سطح مسكنه، مع الأقارب والجيران كجمهور مفترض بحكم الأوضاع الاستثنائية.
هذه السنة، نخرج من حدود المنزل إلى الطرقات. العيد «ع الطريق»… هكذا «طلب» المنظّمون من الموسيقيين، من دون أي تفاهم (أقّله لم يُذكر شيء من هذا القبيل في الدعوة) حول التدابير الوقائية مع الوزارات اللبنانية المختصّة. في فرنسا، يقام العيد مع تدابير صارمة، مثل منع إقامة حفلات في أماكن عامّة «مرتَجَلة» ومنع التجوّل بعد الساعة 11 ليلاً (ثم أصدرت الحكومة قراراً حديثاً برفع حظر التجوّل، ابتداءً من الإثنين المقبل، وقواعد جديدة لارتداء الكمامة). لكن الفرنسيين، في لبنان، حددوا لنا شكل العيد، داعين الموسيقيين إلى عزف الموسيقى على الطرقات، أينما كانوا، كيفما ارتأوا، في أي وقت، من دون أي إشارة إلى موانع أو إجراءات لها علاقة بإدارة التجمّعات البشرية من جمهورٍ ومتطفّلين! التدابير الوقائية متروكة للفرد وحريته في تحديدها وتطبيقها. بالتالي، ما الفرق بين العيد اليوم والعيد قبل الجائحة، إلّا «توفير» بعض اليوروات التي كانت تُصرَف لبناء المسارح في الشوارع واستئجار بعض المعدّات الصوتية والكراسي؟ هناك فارق آخر، غير مهم، وهو أن جزءاً من أنشطة العيد في السابق كانت تقام في أماكن مغلقة لا تجذب إلّا حفنةً من المستمعين، لأنها لا تتناسب مع الجانب الاحتفالي للعيد وأنشطة الهواء الطلِق.
«توفير» بعض اليوروات التي كانت تُصرَف لبناء المسارح في الشوارع واستئجار بعض المعدّات الصوتية والكراسي


إذاً، بدءاً من اليوم (18 حزيران/ يونيو) ولغاية الإثنين (التاريخ الرسمي لعيد الموسيقى) ستشهد شوارع غير محدّدة، في مواعيد غير محدّدة، فرقاً موسيقية غير محدّدة، تعزف موسيقى غير محدّدة، لوقت غير محدّد! يصعب توقّع شكل المشهد منذ الآن. لكنه قد يكون أقرب إلى الفوضى… ما يتماشى تماماً مع القاعدة العامة لسير الأمور في هذا البلد.

عيد الموسيقى: بدءاً من اليوم لغاية الإثنين 21 حزيران (يونيو)