آلة البيانو لها إمكانات هائلة سمحت بكتابة أعمال تؤدّى عليها بأربع أيادٍ (عازفان) ونادراً بست أيادٍ (ثلاثة عازفين) أو حتى أكثر من ذلك، لكن يصبح الأمر أقرب إلى الاستعراض في تلك الحالات. الإمكانات هذه سمحت أيضاً بنقل أعمال للأوركسترا لها، فهي الوحيدة القادرة على تقديم نموذج مصغّر ينوب، إلى حدٍ ما، عن النسخ الأصلية للأعمال الأوركسترالية (أشهر الأمثلة سمفونيات بيتهوفن التي نقلها فرانز لِيسْت للبيانو).

لذلك، يتم أحياناً اللجوء إلى لعبة الاختزال لأسباب لوجستية، بالأخص في المعاهد الموسيقية، حيث لا يبدو عملياً تأمين أوركسترا كلّما أراد تلميذٌ أداء كونشرتو لآلته في امتحان أو خلال الدراسة. هذه المقدّمة نراها ضرورية لشرح سلسلة الأمسيات التي يقدّمها ثلاثي عازفي بيانو لبنانيين: باسل البابا، أندرو حداد ونديم طربيه. هم عازفون مكتملون، لكن غير متفرّغين للبيانو في مسيرة مستقلة عن أي نشاط مهني آخر، موسيقي أو غير موسيقي. هكذا التقوا على مشروع استثنائي في الشكل والمضمون، يتحايل على اللوجستيات، يراعي المستوى العام لعلاقة الناس بالموسيقى، ويؤمّن مادّة دسمة للجدّيين في السمع وسهلة المقاربة نسبياً لغير المتمرّسين من الجمهور العريض. من دون إمكانات تذكر ولا دعم من أي جهة تمويلية، تمرّنوا لأشهر على البرنامج وتبادلوا الملاحظات لتشذيب النتيجة النهائية وتوصّلوا إلى البرنامج التالي:
أربعة كونشرتوات من أجمل وأضخم وأصعب ما يضمّ الريبرتوار الكلاسيكي منذ باخ. كونشرتوات شهيرة، للبيانو والأوركسترا، نُقِلت لاحقاً لآلتي بيانو (للأسباب الآنفة)، سيؤدي اثنين منها باسل البابا، واثنين آخرين يتولاّهما أندرو حداد، على أن يؤمّن المرافقة (أي الجانب الأوركسترالي منقولاً للبيانو) نديم طربيه، الموسيقي الشاب الذي يتطّلع إلى مسيرة في التأليف ويستعد لإكمال دراسته في هذا المجال في فرنسا. ونظراً إلى مدّتها الطويلة ورغبةً في التنويع، ارتأى الموسيقيون الثلاثة اختيار حركة واحدة (الأولى) من كل كونشرتو. البابا سيؤدي الحركة الأولى من الكونشرتو الأول (1858) للألماني برامز وكذلك من الكونشرتو الثالث (1909) للروسي رخمانينوف، في حين اختار حداد الحركة الأولى من الكونشرتو الثاني (1912) للروسي بروكوفييف وكونشرتو لليد اليسرى (1931) للفرنسي رافيل (وهو عمل نسمعه كاملاً بما أنه يتألّف من حركة واحدة أصلاً). لغاية الآن، استطاع الثلاثي تأمين أربعة أماكن لتقديم البرنامج المشوّق أمام الجمهور، وهي «كلّية اللاهوت المعمدانية العربية» (المنصورية / 21 الجاري الساعة 7 مساءً)، و«الكنيسة الإنجيلية الوطنية في بيروت» (الوسط التجاري / 27 الجاري الساعة 12 ظهراً)، «الكنيسة الأرمنية الإنجيلية» (برج حمّود / 9 تموز/يوليو الساعة 7:30 مساءً) وقاعة عصام فارس في «جامعة سيدة اللويزة» (زوق مصبح / 16 تموز/يوليو الساعة 7:30 مساءً)، على أن يُعلَن عن مواعيد أخرى تباعاً.
أربعة كونشرتوات من أجمل وأضخم وأصعب ما يضمّ الريبرتوار الكلاسيكي منذ باخ


أخيراً، تجب الإشارة إلى موقع هذه الأمسية على الخارطة المحلّية: أمسية كلاسيكية محترمة، غير مكلفة مادياً للقيّمين عليها ولا للجمهور (الدخول مجّاني)، ممتعة من دون أن تكون ترفيهية، بمعنى أنها من النوع الذي لا يُعتبر إهانة لوضع الناس المزري (كحفلات نجوم الأغنية الراقصة) بل ضرورة وجودية، بالضبط في أوضاع كهذه، وتسدّ إلى حد ما الفراغ الذي قد يطول قبل أن تستوي الحالة الاقتصادية لاستضافة موسيقيين من طراز عالمي. بالتالي، مقاربتها النقدية يجب أن تأخذ في الاعتبار كل هذه المسائل… فنحن لسنا في وضع طبيعي لكي نطمع بأمسيات لا غبار عليها فنياً. فقليل من الغبار قد يكون أكثر تجانساً مع الخراب المحيط بنا!

سلسلة أمسيات لآلتَي بيانو، بين 21 حزيران (يونيو) و16 تموز (يوليو) ـــ للاستعلام:71/179127