يمزج بين السرد والتحريض وتقديم الوثائق بطريقة فنية
في البنية الخارجية للعرض المسرحي، يأخذ «الثقب الأسود» منحى معاصراً على مستوى الشكل. يمزج بين السرد والتحريض وتقديم الوثائق بطريقة فنية. يُعتبر المسرحي الألماني إروين بيسكاتور (1893- 1966) أول من بلور هذا المفهوم المسرحي نظرياً، من خلال كتابه «المسرح السياسي»، وتأسيسه المسرح البروليتاري، بهدف تعزيز دور المسرح في خلق تساؤلات عن قضايا الأفراد في المجتمع، وتحفيزهم على التغيير. الشخصيات في «الثقب الأسود»، تتخطى وظيفتها الكلاسيكية لعمل الممثل، فيجسد الممثلان (نضال أيوب وهاشم عدنان) أفكاراً وأنماطاً تحملها شخصيات تعمل في القضاء أو الأمن أو رب المنزل مثلاً. تطل «مولو» عبر الشاشة لتتفاعل معهما ومع الموسيقي هادي دعيبس الذي يقدم أداء حياً على الخشبة، وتناقش احتمالات تحقيق العدالة. تشارك عبر الشاشة أيضاً كّل من صوفيا وتيريزا وميريام ليقدّمن قصصهن وشهاداتهن وتجربتهن في العمل المنزلي. تتضافر كل هذه العناصر، ليتّخذ هذا العمل المسرحي أشكالاً وأساليب متعددة، تتنوع بين لحظات شاعرية ودرامية، وتسجيلات مصورة، لكن أكثر ما يميزه هو شكل «المرافعة» وفق ما يخبرنا مخرج العمل. فما سبب اللجوء إلى هذا القالب التجريبي المعاصر متعدد الأساليب؟
في عروض مماثلة بعيدة عن الشكل الكلاسيكي للأعمال المسرحية، يكون الهدف طرح أسئلة نقدية عن الممارسات الحياتية للأفراد في المجتمع. وتتجلى هنا في قانون ما يسمى «الكفالة». تتم ممارسة التحريض بشكل غير مباشر، كنوع من المساءلة النقدية. يأمل عدنان، أن يكون العرض عاملاً مؤثراً ومغيراً لدى المتفرجين، كونهم أفراداً في المجتمع قد شهدوا أو عايشوا حالات شبيهة لحالات مولو وصوفيا وغيرهما، لمحاولة إحداث خرق في هذا الإطار. استكمالاً للجهود، من المقرر عرض «القب الأسود» (شاركت في الإخراج والدراماتورجيا: بترا سرحال) في مناطق لبنانية عدة، في محاولة لتغيير نظام الكفالة، وجعله على سلّم الأولويات في المطالب الاحتجاجية، لأنه نظام شمولي وقمعي واستبدادي. يجب تعزيز مسألة طرح المسائل القانونية والاجتماعية والسياسية، بالاستناد إلى دراسات وأبحاث حول الواقع المجتمعي، لما للأبحاث من قدرة على رفع مستوى المحتوى المسرحي. يضع عدنان هاشم تجربة عمله مع «المفكرة القانونية»، والجهات والمنظمات المعنية، في سياق تعزيز آلية التغيير المجتمعي. من حيث الزمان، يُطرح موضوع الكفالة في وقت تلتهب فيه الساحة الداخلية بالتطورات والمستجدات. يقول مخرج «الثقب الأسود» في هذا الإطار: «هدفنا هو إلغاء الازدواجية لدى الثائرين على النظام اللبناني. إن هذا النظام الذي كرسته الحرب الأهلية، يرتبط بشكل مباشر بسلطة تعسفية، كرست الاستبداد بحق العاملين والعاملات الأجانب على مدى عقود من الزمن، هذا من جهة. من جهة ثانية، من شأن ذلك المساهمة في خلق اقتصاد بديل عما عاشه اللبنانيون في السابق، كما تغيير الأيديولوجيا اللبنانية القائمة على ازدواجية معايير الحرية، بحق العاملات والعاملين، ووجوب إعادة النظر في نظام الكفالة ومجمل الأحكام القضائية التي ترعى العمالة المنزلية في لبنان».
«الثقب الأسود»: اليوم وغداً ــ الساعة السابعة مساءً ــ مسرح «دوّار الشمس» (الطيّونة ــ بيروت) ــ للاستعلام: 01/381290.