تعودُ الروائية والمترجمة الجزائرية المُقيمة في إيطاليا أمل بوشارب صاحبة «ثلاثية الجزائر»، «سكرات نجمة»، «ثابث الظلمة». في البدء كانت الكلمة، بإصدار جديد، وهذه المرّة جاءت بمجلة أدبية بالإيطالية «أرابِسك» تخصُّ الأدب العربي وهي الأولى من نوعها في إيطاليا، بالاشتراك مع دار النشر الإيطالية المرموقة Puntoacapo الحاصلة على أكثر من تسعين جائزة أدبية في إيطاليا، تُعدُّ مادةً نقدية ومرجعاً بالغ الأهمية هناك.عنِ الإصدار، تقول مديرة المجلة أمل بوشارب إنها «حرصت على التعامل مع دار نشر تحظى بثقة القارئ الإيطالي النخبوي؛ لأن الأدب العربي في إيطاليا طالما بقيَ محصوراً ضمن براديغم إيديولوجي لا يتم من خلاله التعامل معه بمفردات فنية». وتضيف: «من خلال أرابسك، نحاول تقديم العالم العربي بعدسةٍ جديدة تضع الأدب والفنون العربية على الخارطة الجمالية للسوق الإيطالية وهي التي لم يتعود عليها القارئ الإيطالي في غمرة الإصدارات التي لا تقارب الأدب العربي سوى من منظور الجيوبولوتيك».
في حين تُشدّد الباحثة و المترجمة الإيطالية يولندا غواردي التي وقّعت مقالاً عن «البوقالات الجزائرية» على «أنّ أرابسك تُعدُّ اختراقاً حقيقيّاً في المشهد الثقافي الإيطالي، كون الاصدارات التي تُعنى بالثقافة العربية عادةً ما تكون تحت إدارة غربية بحتة وإن تم فيها استكتاب بعض الأسماء العربية، لكنها تبقى تحت توجيه غربي، أمّا مع «أرابسك»، فنجدُ أنفسنا أمام معادلة جديدة كليّاً من حيث أن خطَّ التحرير تفرضه وجهة نظرٍ عربية خالصة ممثلة في أمل بوشارب».، بينما تشاطرها المدوِنة الأدبية الإيطالية إينريكا أنطونيني الرأي بـ «أن مشروعاً كهذا من شأنه أن يُعيد الاهتمام في إيطاليا لثقافة ساحرة كالثقافة العربية، وأن كونه تحت إدارة مثقفة عربية هو ما يعطيه بالتحديد زخمه».
تميّزت مواضيع العدد الأول من «أرابسك» بالتنوع، إذ رواحت ما بين المقالات النقدية، والحوارات، والترجمات التي تتناول في الأغلب مواضيع ذات صلة وطيدة بالحياة الثقافية العربية، المهملة من الرؤية الغربية للعالم العربي كثقافة الحب. وفي هذا الصدد، يقول الروائي والمترجم السوري يوسف وقّاص الذي كتب مقالاً محورياً للعدد عن الغزل العربي ولغة الحبّ في الحضارة العربية بأن «الثقافة العربية طالما بحثتْ لها عن المكانة التي تستحقها في المشهد الإيطالي وها هي تجد أخيراً نفسها بين أيدٍ أمينة».
كما ذكَرتْ المخرجة المسرحية الإيطالية سيلفيا ريغون التي وقّعت مساهمة عادت فيها لمشروعها المسرحي عن «ألف ليلة وليلة» بأنّ تعدد المنهجيات البحثية وتقاطعها كما نراه في «أرابسك» قيمة أساسية يطرحها العدد من أجل فهم هذا العالم المركّب. والتركيز هنا على ثقافة الحب بمنظور عربي هو محاولة قوية لفهم شساعة الرؤية التي ينطوي عليها الواقع».
قدّمت «أرابسك» أيضاً مقالاً استثنائياً للباحثة والمترجمة الإيطالية ناديا روكيتي ربطتْ فيه بين الخيوط الأنثروبولوجية التي تجمع ثقافة الطبخ بين غرب وشرق المتوسط من خلال حلوى البقلاوة واللزانيا الإيطالية. إذ تقول روكيتي إن «مشروعاً دسماً كهذا لا نراه كل يوم، من حيث أنه يسعى لتقديم وجهة نظر مختلفة، خلّاقة وفريدة تُظهر التداخل الثقافي بين شعوبنا».
بينما نشرتْ المترجمة فالنتينا بالاتا مقالاً نقدياً بعنوان: «نجوان درويش: فلسطين والشعر» حيث أعربت عن سعادتها في إطلاق «أرابسك» التي تضع أخيراً الثقافة العربية ضمن الأفق الجمالي الذي تستحقه.
من جهتها، أكّدت فلافيا مالوساردي، وهي ناقدة فنية ومنظّمة معارض عملت بين إيطاليا ولندن ومصر، أن تعاونها مع «أرابسك» ضمن ركن الفنون البصرية منحها مساحة أوسع لتقديم الفن العربي ضمن المشهد الفني الإيطالي الذي يبقى الفن العربي مجهولًا بالنسبة له. للسينما أيضاً نصيبها في العدد، إذ قدّمت الناقدة السينمائية سيمونا تشيلا مقالاً جريئاً خاض في ما وراء كواليس إنتاج الأعمال العربية المروج لها غربيّاً وخفايا المشاركات السينمائية العربية في المهرجانات الأوربية.
لم تكن فقط الأسماء النقدية الهامة في إيطاليا ميزة مقالات العدد الأول من «أرابسك»، بل كان لافتاً أيضاً الإضاءة على أدب الطفل من خلال مقال متميز لسارة لامبيرتي.
كما قدمت «أرابسك» حوارين لاسمين من أهم الأسماء الروائية في العالم العربي وإيطاليا: أحلام مستغانمي وماسيمو كارلوتو، إذ حاور باولو غونزاغا الروائية الجزائرية الشهيرة أحلام مستغانمي، التي تحدّثت بدورها عن علاقتها بإيطاليا، كما تناولت في الحوار ذاته ترجمة أعمالها. كما أعرب باولو عن سعادته لإطلاق مشروع يفتح جسراً حقيقيّاً للتعريف بالأدب العربي في إيطاليا من خلال أسماء ثقافية لها اسمها وقيمتها الأدبية. من جهتها، حاورت باولا روسي وماسيمو كارلوتو أحد أكثر الروائيين الإيطاليين شعبية في إيطاليا، إذ تحدث بشكل كامل عن علاقته بالعالم العربي والأثر الذي خلّفه الأدب العربي على أسلوبه وآفاق التعاون مع الكتاب العرب.
كان للترجمة في «أرابسك» حضورها القوي في قسم السرد والشعر، إذ وقعت فالنتينا بالاتا ترجمات من الديوان الأخير للشاعر الفلسطيني نجوان درويش «كرسي على سور عكا» (دار الفيل، 2021). كما ترجمت سارة لامبيرتي قصة من أدب الطفل ليوسف بعلوج المعنونة «خاتم ناني السحري» (القائمة القصيرة في جائزة العودة فلسطين)، تنشر للمرة الأولى.
إلى جانب المساهمات الكثيرة لأمل بوشارب في المشهدين العربي والإيطالي، فقد اُختيرتْ أخيراً ضمن لجنة تحكيم «جائزة لاغو جيروندو الأدبية» في ميلانو، حيث تعد من أكثر الوجوه الأدبية العربية نشاطاً على الساحة الإيطالية.
تجدر الإشارة أن «أرابِسك» انفردت بالحق الحصري لترجمة الفصل الأول من رواية الديوان الاسبرطي للروائي الجزائري عبد الوهاب عيساوي،الرواية الفائزة بالبوكر العالمية في طبعتها العربية العام 2020.